قدّم الخبير الجبائي والأستاذ الجامعي محمد صالح العياري لتوميديا قراءة تحليلية لمشروع قانون المالية لسنة 2025، مؤكداً أنّ النص تضمن إجراءات اجتماعية لا بأس بها، لكنه يبقى محدوداً على مستوى الإصلاحات الاقتصادية والجبائية العميقة التي ينتظرها الفاعلون الاقتصاديون.
أوضح العياري أن قانون المالية تضمن مجموعة من الإجراءات التي يبدو أنها تستهدف المؤسسات الصغرى والمتوسطة، خصوصاً في جانب التشجيع على التمويل والتخفيف من الأعباء الجبائية.
لكنّه اعتبر أنّ هذه التدابير “لا ترتقي إلى مستوى المبالغ العملية” التي تحتاجها هذه المؤسسات، خاصة في ظل أزمة السيولة التي تعيشها.
وأشار إلى أن خفض بعض الأقساط الاحتياطية والتمكين من استرجاع الأداء يمكن أن يساهم في تحسين الوضع المالي لهذه المؤسسات، لكن “الدفع الحقيقي للنمو الاقتصادي ما يزال ضعيفاً”.
وانتقد العياري بشدة التعديل المتعلق بالتعاملات المالية عند شراء العقارات ووسائل النقل والأصول التجارية.
فوفقاً للقانون السابق (الفصل 45 لسنة 2019)، كان المشتري مُلزماً بذكر وسيلة الدفع داخل العقد، سواء كان شيكاً أو تحويلًا بنكياً، بهدف ضمان أثر مالي واضح يسمح للمصالح الجبائية بتتبّع مصادر الأموال والتأكد من مشروعيتها.
لكن مشروع قانون المالية الجديد، حسب قوله، “يمثل تراجعاً خطيراً”، لأنه يحافظ شكلياً على النص القديم دون تفعيله فعلياً، مما يتيح دفع مبالغ ضخمة نقداً دون أي أثر مالي أو مراقبة.
ووصف العياري هذا التوجه بأنه “ضرب لمبدأ الشفافية الجبائية” وعودة إلى ممارسات تعيق مكافحة التهرب وتبييض الأموال.
فيما يتعلق بالضريبة على الدخل، أكد العياري أنّ سلم الضريبة تم تعديله جزئياً بما يخفض العبء على بعض الطبقات، لكن النسب الأساسية بقيت دون تغيير: 10%، 20% و40%.
وأضاف أن ما تم تداوله حول تخفيضات كبيرة لا أساس له، باستثناء إقرار مساهمة إضافية على البنوك وبعض القطاعات لتمويل الإجراءات الاجتماعية.
وأشار العياري إلى أن مشروع قانون المالية لا يتضمن زيادات عامة في الأداءات، وهو ما يعد نقطة إيجابية في حد ذاته.
إلا أنه شدّد على أنّ البلاد تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية وجبائية عميقة تُعيد الثقة للمستثمرين وتخلق مناخاً قادراً على استيعاب الاستثمارات الجديدة.
اختتم محمد صالح العياري تقييمه بالقول إن قانون المالية لسنة 2025 “لا يرقى إلى مستوى الانتظارات”، إذ يجمع بين إجراءات اجتماعية مقبولة ودعم محدود للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وتراجع في آليات الشفافية الجبائية، مما يجعله خطوة غير كافية لمعالجة التحديات الاقتصادية الحقيقية التي تواجهها البلاد.




