أصدرت الشبكة العربية لاستقلال القضاء بيانًا شديد اللهجة عبّرت فيه عن قلقها البالغ من الأحكام القضائية الصادرة يوم 3 نوفمبر 2025 عن الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس، والقاضية بسجن القاضي حمادي الرحماني لمدة 18 شهرًا مع تأجيل التنفيذ. واعتبرت الشبكة أن هذه الأحكام جاءت في ظل غياب احترام الضمانات القانونية الأساسية التي يتمتع بها القضاة، وفي مقدمتها الحصانة القضائية، إضافة إلى منع فريق الدفاع من الترافع خلال الجلسة.
وتعود هذه الأحكام إلى شكايات تقدّم بها الرئيس الأول الأسبق لمحكمة التعقيب ضد الرحماني، اتّهمه فيها بالإساءة إليه عبر تدوينات على موقع “فايسبوك” طالب فيها بمحاسبته على خلفية شبهات فساد. وقد ذكّرت الشبكة العربية بأن هذه الشبهات لم تكن بلا أساس، إذ أثمرت لاحقًا رفع الحصانة عن الرئيس الأول الأسبق وتتبعَه قضائيًا أمام القطب القضائي الاقتصادي والمالي، ليصدر ضده حكم ابتدائي بالسجن لمدة 30 سنة.
وأشارت الشبكة إلى أن القاضي الرحماني يُعدّ من ضحايا قرار الإعفاء الجماعي الذي اتخذه رئيس الجمهورية يوم 1 يونيو/حزيران 2022 بإعفاء 57 قاضيًا دون إخضاعهم لإجراءات مساءلة عادلة. وعلى الرغم من صدور حكم نهائي عن المحكمة الإدارية بتاريخ 9 أغسطس/آب 2022 يوقف تنفيذ قرار إعفائه ويعيده إلى عمله، فإنّ السلطات لم تنفّذ هذا الحكم حتى اليوم، مما أدى إلى إقصائه فعليًا من القضاء وحرمانه من راتبه.
وتضمّن بيان الشبكة العربية لاستقلال القضاء جملة من المواقف أبرزها استهجان ملاحقة القاضي الرحماني على خلفية كشفه عن شبهات فساد، وهي خطوة ترى الشبكة أنّها كان يفترض أن تحظى بالحماية بدل العقاب، باعتبار أنّ حرية القضاة في التعبير عن تجاوزات تطال السلطة القضائية تُعدّ ركيزة أساسية لاستقلال القضاء.
إدانة إنكار صفته القضائية واستبعاده من الضمانات التي تُمنح للقضاة، رغم وجود حكم إداري نافذ يعيد له وضعه القانوني الطبيعي. واعتبرت الشبكة أن عدم تنفيذ الحكم يمثّل “تنكرًا لحقوق القضاة وللقضاء برمّته”.
رفض التنكّر لحقه في الدفاع عن نفسه، من خلال منع محاميه من المرافعة خلال الجلسة، وهو ما اعتبرته الشبكة خرقًا واضحًا لمبادئ المحاكمة العادلة.
مطالبة السلطات التونسية بوقف “الإجراءات غير القانونية” المتخذة بحق الرحماني، وإلغاء الأحكام الصادرة ضده، والإسراع بتنفيذ حكم المحكمة الإدارية وإعادته إلى منصبه.
و تؤكدالشبكة مواصلة مراقبة تطورات القضية، ومتابعة مآلات الأحكام القضائية الصادرة في حقه لاتخاذ المواقف اللازمة في الوقت المناسب.
ويرى مراقبون أن قضية الرحماني تأتي ضمن سياق أوسع يشهد توترًا متصاعدًا بين السلطة التنفيذية وجزء من الجسم القضائي في تونس منذ قرارات 2022، حيث أثارت عمليات إعفاء القضاة ورفض تنفيذ أحكام إدارية تعيدهم إلى مواقعهم جدلًا واسعًا بشأن وضع استقلال القضاء في البلاد.
وتحذّر الشبكة العربية من أن مثل هذه الممارسات قد تؤدي إلى إضعاف دور القضاء في الرقابة على الفساد والسلطة التنفيذية، معتبرة أن احترام الأحكام القضائية وتنفيذها يمثل الحدّ الأدنى لضمان دولة القانون.
وختمت الشبكة بيانها بالتشديد على أن الدفاع عن استقلال القضاء هو دفاع عن المجتمع برمّته، داعية السلطات التونسية إلى الالتزام بالمسار القانوني واحترام الضمانات الممنوحة للقضاة، ووقف كل أشكال “الملاحقات الانتقائية” التي قد تُفهم على أنها تهدف إلى إسكات الأصوات المنتقدة داخل المرفق القضائي.




