خلال الجلسة العامة المخصّصة لمناقشة مشاريع الميزان الاقتصادي وقانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2026 عبّر النائب ثامر مزهود عن جملة من الملاحظات الجوهرية، مثمّناً بعض النقاط الإيجابية في المشروع، وموجهاً في الوقت ذاته انتقادات حادّة للحكومة بسبب ما اعتبره “تكراراً للوعود نفسها دون تجسيد فعلي على أرض الواقع”.
واستهلّ مزهود كلمته بالإشارة إلى الإعلان عن 22 ألف انتداب جديد خلال السنة المالية 2026، معتبراً ذلك “مؤشراً إيجابياً”، لكنه دعا إلى أن تشمل هذه الانتدابات أصحاب الشهائد العليا الذين تجاوزوا عشر سنوات بطالة، قائلاً: “لا بد من التفاعل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لتوفير الاعتمادات اللازمة لانتداب الدفعة الأولى من هؤلاء الذين طالت بطالتهم وانتظروا طويلاً”.
وأضاف مزهود أنّ الميزانيات المتعاقبة ما تزال تستنسخ العناوين نفسها مثل مقاومة التهرب الضريبي، والانتقال الطاقي، ورقمنة الإدارة، وتحسين حياة المواطن، دون أن يشعر المواطن فعلياً بتحقق هذه الأهداف.
وقال مزهود “نسمع نفس الشعارات كل سنة، لكن الواقع لا يتغير، ولا يرى المواطن أثراً ملموساً لهذه البرامج”،
وتطرق النائب إلى شعار الاكتفاء الذاتي الذي رفعته الدولة منذ 25 جويلية، معتبراً أنه لا يمكن تحقيقه في ظلّ تراجع بعض القطاعات الحيوية، مشيراً إلى أن صادرات زيت الزيتون تقلّصت بنسبة 16.2%، وأنّ قطاعات التمور والحمضيات والسياحة تواجه صعوبات متزايدة.
وأضاف أنّ إلغاء العديد من الرحلات الجوية خلال ذروة الموسم السياحي “حرم الدولة من موارد مالية هامة، ما يعكس سوء التنظيم وضعف التنسيق بين المؤسسات الوطنية”.
كما عبّر مزهود عن أسفه للوضع البيئي في جهة قابس، قائلاً إن الجهة “دفعت ثمناً باهظاً للتلوث الناجم عن الوحدات الصناعية والفسفاطية”، رغم أنّ نشاطها الصناعي يدرّ موارد مالية كبيرة للدولة.
قائلا: “نحن نفرح لما توفر هذه الصناعات من مداخيل لتونس، لكننا في قابس ندفع الثمن صحياً وبيئياً… لقد تحوّل البحر إلى مكبّ للسموم”.
وأوضح أنّ خمسة ملايين طن من الفوسفوجيبس تُسكب سنوياً في البحر، وأنّ انبعاثات سامة متواصلة على مدار الساعة تهدّد حياة المواطنين، مطالباً الحكومة بخطة واضحة لمعالجة هذا الملف، قائلاً: “نحن لا نطلب حلولاً تقليدية، بل برنامجاً واضحاً ومحدداً زمنياً، يجمع بين الحلول العاجلة والتدريجية، ويضبطه أهل الاختصاص”.
وانتقد مزهود ما وصفه بـ”صمت الحكومة ولا مبالاتها” تجاه التحركات السلمية التي شهدتها جهة قابس خلال الأشهر الأخيرة للمطالبة بحقهم في بيئة سليمة، مؤكداً أنّ هذا المطلب شرعي ودستوري، مستشهداً بالفصل 47 من الدستور الذي ينصّ على حق المواطن في العيش في بيئة نظيفة.
ودعا النائب رئيسة الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها الدستورية طبقاً للفصل 87 من الدستور، قائلاً إنّ “التعامل مع جهة كاملة بالصمت والتجاهل لم يعد مقبولاً، وقد يؤدي إلى تطورات اجتماعية خطيرة إذا تواصل الإهمال”.
وختم مزهود مداخلته بدعوة صريحة إلى إرادة سياسية صادقة وإجراءات ملموسة لإعادة الثقة إلى المواطن، قائلاً: “الناس صبرت طويلاً وتنتظر تفاعلاً إيجابياً حقيقياً. المطلوب اليوم أن تشعر بأن حياتها تتغير فعلاً، لا أن تظلّ وعود الإصلاح حبراً على ورق”.




