
عبّر المحامي لدي التعقيب رفيق الغاق في ميكرو توميديا عن خيبة أمل عميقة في أداء هيئة المحامين خلال عهدتها المنقضية، معتبرًا أن ما تم تقديمه لم يكن في مستوى انتظارات المحامين ولا حجم التحديات التي تواجه المهنة اليوم، خاصة من الناحية المهنية والحقوقية.
و أكد الغاق أن المحامي في تونس ما يزال يعاني من ظروف عمل قاسية داخل المحاكم، حيث تُعقد الجلسات في مناخ لا يساعد لا على التركيز ولا على ممارسة الدفاع، مع تسجيل أرقام مهولة لعدد القضايا التي تُطرح في كل جلسة، وصلت في بعض الأحيان إلى 500 ملف، ما يجعل من تحقيق العدالة أمرًا شبه مستحيل في مثل هذه الظروف.
وأضاف أن مرفق العدالة يعاني من تدهور كبير رغم ما يدرّه من مداخيل هامة على خزينة الدولة، مؤكدًا أن الاستثمار في هذا المرفق الحيوي ضعيف جدًا، ولا يعكس مكانته الدستورية والوظيفية.
وانتقد الغاق تراجع احترام المحامي داخل الإدارات العمومية، حيث غابت النوافذ الخاصة بالمحامين، وأصبحوا يُعاملون كما العموم، رغم ما يفرضه القانون من تمييز إيجابي يليق بدورهم كمساعدين للقضاء. كما ندد بما أسماه “هضم حقوق المحامي في مراكز البحث”، حيث تُنتَهك ضمانات الدفاع في مرحلة بحث البداية، دون تدخل حاسم من الهيئة.
و وصف الغاق تعامل الهيئة مع هذه الإشكاليات بـ”الضعيف”، معتمدًا على إصدار البيانات دون اتخاذ مواقف ميدانية أو تحركات فعلية. واعتبر أن الدفاع عن حضور المحامي في بحث البداية يجب أن يكون معركة مبدئية، لا موضوعًا لبيانات مناسباتية فقط.
كما عرّج الغاق أيضًا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي للمحامي، منتقدًا غياب أي سند مهني أو اجتماعي حقيقي. وأشار إلى أن القوانين المنظمة لمهنة المحاماة، مثل قانون “المحامي المستشار”، بقيت حبيسة الأدراج لأكثر من عشر سنوات، مما فاقم من هشاشة الوضعية المادية للمحامي التونسي، وأثّر سلبًا على قدرته في التكوين المستمر وتطوير الكفاءات، وعلى رأسها إتقان اللغة الإنجليزية التي أصبحت ضرورية في مجالات الاستشارة والشركات الدولية.
و في تقييمه لأداء الهيئة، عبّر الغاق عن رفضه لانخراط المهنة في التجاذبات السياسية، مؤكدًا أن الأحزاب السياسية استغلّت المحاماة ولم تقدم لها شيئًا، في حين تراجعت المهنة عن دورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق والحريات. واعتبر أن هذا الانحراف عن المسار الحقوقي أفقد المحاماة استقلاليتها وفاعليتها، داعيًا إلى ضرورة القطع مع التوظيف السياسي والعودة إلى خطّ مهني نضالي مستقل.
وختم الغاق مداخلته بدعوة صريحة ومباشرة إلى الهيئة الجديدة المنتخبة، لتحمّل مسؤولياتها التاريخية في إعادة المحاماة إلى “صهوة الجواد”، كما قال، أي إلى موقعها الطبيعي في الدفاع عن المواطن، عن العدالة، وعن القيم الدستورية والمواثيق الدولية، بعيدًا عن الاصطفافات السياسية الضيقة. قائلا: “المحاماة مهنة نبيلة… ومهمتنا اليوم أن نحميها، لا أن نستعملها. عاشـت المحاماة حرّة، مستقلّة ونضالية.”
—