
تحصل موقع توميديا اليوم الجمعة 11 جويلية 2025 على نسخة من رسالة الدكتور لطفي المرايحي المرشح السابق الانتخابات الرئاسية التونسية، وأمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهور ي المعارض، والذي تم إيقافه في الثالث من جويلية 2024 تزامنا مع الاستحقاق الانتخابي وفيما يلي نصها.
رسالة السجین السیاسي محمد لطفي المرایحي إلى الرأي العام بمناسبة مرور عام على إیداعه السجن .
إذا الشعب یوما أراد الحیاة. ..
بسم ﷲ الرحمان الرحیم
معتقل المرناقیة 3 جويلية 2025
بنات شعبي وابناءه ،
یمضي الیوم عام بالتمام والكمال على ایداعي السجن بقرار سیاسي وتدبیر مسبق كنت اتوقعه تماما مثلما توقعت حیثیاته وملابساته من تلفیق للتھم وافتعال للقضایا واختلاق لجرائم مستحیلة الحدوث ، مما یبرھن من جدید على شحّ خیال مدبّرھا وضیق أُفقه حتى في اقتراف الشّرّ ،فما بالك بالبناء والتشیید.
لا ارید العودة الى القضایا المتعلقة بي ، فھي بالنسبة إلي مجرد تفاصیل بدون أدنى قیمة ، إذ یمكن للجمیع ٱلإطلاع على تفاصیلھا وحیثیات الاحكام التي رافقتھا ، وبامكان اي ملاحظ عاقل ان یتبین بجلاء أنھا أحكام تدین من أصدرھا إذ خان أمانة القضاء وشرفه وباع ذمته في سبیل منافع آنیة زائلة فتحول القضاة الذین یفترض ان یكونوا حماة الحقوق والحریات الى زبانیة یحجبون قرائن البراءة ویشیحون بوجوھھم عنھا ویقبرون الملفات لِیحُولُوا دون الفصل فیھا بالعدل.
ومھما كانت العناوین التي حُوكِمْتُ وسأُحاكمُ تحتھا ، فإنه یھمني أن أُبین للرأي العام ان جریمتي الحقیقیة في نظر ساكن قصر قرطاج ھي جرأتي على منافسته منافسة جدیة في موعد انتخابي كان يُفترض ان تكون فیه الكلمة العلیا للتونسیین لٱختیار من یحكمھم لعھدة رئاسیة معلومة 2024-2029
تلك كانت جریمتي التي لم تغفرھا لي سلطة ارتكبت جمیع الكبائر بدءًا بتعطیل العمل الحكومي وعرقلته ، مرورا بالانقلاب على الشرعیة وإغلاق مجلس النواب بدبابة عسكریة وحلّ الحكومة وتجمید البرلمان ثم حلّه وملاحقة نُوّابه ،وصولا الى تنظیم انتخابات شكلیة فارغة من كل معنى ، تشرف علیھا ھیئة دون نصاب دستوري.
انتخابات تم التلاعب فیھا بكل شيء ، بالتزكیات وبالقوانین المنظمة لھا ، باستبدال المحكمة الاداریة وتعویضھا بالقضاء العدلي الذي بات طیّعا سھل الانقیاد بعد حل المجلس ٱلأعلى للقضاء و تعمد عدم تركیز مجلس جدید لإتاحة المجال للسلطة التنفیذیة للتحكم في مصائر القضاة بمذكرات العمل الوزاریة ، فضلا عن سابق إضمار عدم تركیز المحكمة الدستوریة.
ٱنتخابات صوریة خاویة من كل تنافس ،بعد استبعاد المنافسین الجدیيّن قسرا ، والزج بھم في السجون او الحكم علیھم بالمنافي ، و توظیف أجھزة الدولة لخدمة مرشح بعینه بمنأى عن أي محاسبة ، مرشح یتوھم أنه مبعوث العنایة الإھیة ،وبأنه فوق النقد وأعلى من المحاسبة ،ولیس له أي استعداد لقبول مبادئ الفصل بین السلط والتوازن بینھا ، مرشح لا یقبل بمنطق التداول السلمي على السلطة ، بل یعتبر الرئاسة تكلیفا إلاھيّا وكأنه نبيّ مرسل.
وعدنا الى ممارسات اكثر بؤسا وتعاسة مما عاشه التونسیون قبل 14 جانفي 2011
ویھمني ان اقول لأخواتي التونسیات و لإخوتي التونسیین أنّي كنت على علم بطبیعة الماسك بزمام السلطة ساكن قصر قرطاج ، وكان بوسعي إیثار السلامة والاكتفاء برفاھیة العیش مثل كثیرین ولكني اخترت التصدي للفشل والزیغ والتّیه ، وھي صفات لازمت مغتصب السلطة منذ تقلده أعباء الحكم قبل أكثر من سبع سنوات ، وقد انكشف الیوم للجمیع خواء منظومة الحكم من أي مشروع بعد ان أصبحت دوالیب الدولة في حالة شلل تام أو تكاد.
فقد نجح مغتصب السلطة أيّما نجاح في تقسیم التونسیین وإثارة الأحقاد بین بعضھم البعض ،رافعا شعار حرب التحریر الوطني وٱلحال أنّه أشبه بدون كیشوت في حربه ضد طواحین الھواء ، فلا ھو نجح في الحد من الفساد ولا وفق في تجوید مسالك التوزیع ولا فكك منظومة الاقتصاد الریعي ، ولا قبل بتجریم التطبیع بل أعتبر سنّ القانون خیانة عظمى ،و ٱكْتفى برفع الشعارات لإثارة الغرائز وتعبئة الجماھیر ضد المبادرة الفردیة والنجاح والكفاءة .
وبات التونسیون ینتظرون مطلع كل فجر بلاغات ساكن قصر قرطاج ، فمرّةً یحارب المحتكرین وتارة یھاجم الادارة وفي احیان كثیرة یشتِم الوزراء الذین قام ھو بتعیینھم .
و غابت مقاییس الجدارة والاستحقاق والكفاءة لتحل محلھا معاییر الولاء المطلق لمغتصب السلطة على حساب كل شيء الدستور والقوانین الجاري بھا العمل ، و اصبحت الدعوة الى ابتكار مقاربات جدیدة اسطوانة مشروخة یكررھا ساكن قصر قرطاج على مسامع وزرائه دون ان نلمس اي مقاربات لا جدیدة ولا قدیمة ، فإ دارة البلاد بعد 25 جویلیة لم تعد تخضع لأيّ منطق ، فزادت المدیونیة وغرقت البلاد في وحلِ القروض وتعطل الاستثمار ، وباتت بلادنا منبوذة غائبة عن كل المحافل العربيّة والافریقیة ، لا یزورھا قادة العالم ، ولا یكاد ساكن قصر قرطاج یغادر قصره إلاّ لزیارة القصبة أو حيّ سكنه القدیم تحت جنح الظلام.
كلّ ھذا ولم یتفطن ساكن قصر قرطاج الى أن العیب فیه ھو ولیس في الآخرین ، فھل یعقل ان یطالب من ترشح لقیادة البلاد غیره بضرورة إیجاد الحلول والتصورات المبتكرة؟
اخواتي التونسیات واخوتي التونسیین،
لقد سقطت البلاد في فخ الشعبویة المقیتة ، وٱغترّ كثیرون بشعاراتھا الخلّب ، وسیكتشف التونسیون أنھا شعارات جوفاء لن تجلب سوى الویلات لسائر الفئات الاجتماعیة.
كلّ ما آمله أن لا تطول فترة انخداع التونسیین بشعبویة ساكن قصر قرطاج ، لأن تبعات ھذه المرحلة ستكون ثقیلة ومؤلمة مثلما حدث لشعوب عاشت التجربة نفسھا
اخوتي، أخواتي ،
إني واثق أنھا مرحلة زائلة ولو بعد حین ، و لقد اخترت بمحض إرادتي أن أقول لا لخداع التونسیین واغوائھم بمعسول الوعود الفارغة لأني مدرك لخوائھا .
لقد اخترت بمحض إرادتي أن أُضحّي بكلّ شيء ، بعائلتي وعملي وحریتي في سبیل كشف الخدیعة الكبرى التي وقعت فیھا بلادنا حتى لا یطول الغشّ والتلاعب بالعقول.
لقد اخترت أن أكون في صفّكم وبینكم مواطناً حرّا رافضا للإستبداد مھما كانت مُسوّغاتِه، ذلك ان تضحیات التونسیین كانت من أجل تركیز مؤسسات حقیقیة، ولم تسل دماء التونسیین لتعبید الطریق أمام أوھام ٱلمستبد العادل أو من یرى في نفسه فاروقا جدیدا أو كائنا خارقا ضل طریقه
إلى كوكبنا .
لقد اخترت طریقي وسأمضي فیه الى النھایة ،لأن الفاشل الماسك بالسلطة لیس له القدرة للإعتراف بفشله وعجزه عن حكم البلاد ، وھو مصرٌّ على المُضِيّ في طریقهِ حتّى لو أدّت إلى دمار البلاد وضیاع مكتسباتھا
اخواتي التونسیات اخوتي التونسیین ،
لقد اخترت أن أقف في وجه مغتصب السلطة ومحتكرھا ، الحاكم بأمره المعادي لكلّ ٱلمؤسسات، الكاره للاحزاب والجمعیات ، عدوّ الصحافة الحرة ولن أتراجع قید أنملة ، مھما كانت التضحیات ومھما اشتد التنكيِل بي وبعائلتي في معتقل المرناقیة ، وكل شيء یھون من أجل تونس التي في خاطري ومن أجلكم أنتم شعبي ٱلغالي على قلبي ،
عاشت تونس حرة مستقلة ، وعاش شعبھا حیاة كریمة تحفظ فیھا الدولة الحقوق والحریات بقضاء مستقل وعادل لا یظلم فیه أحد ولا یتلقى التعلیمات من اي كان.
إِذا الشَّعْبُ یوماً أرادَ الحیاةَ
فلا بُدَّ أنْ یَسْتَجیبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّیْلِ أنْ ینجلي
ولا بُدَّ للقیدِ أن یَنْكَسِرْ