تقاريرحقوق

تونس تتراجع للمرتبة 129 في مؤشر حرية الصحافة في العالم لسنة 2025 والوضع الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية أحد الأسباب

حرية الصحافة في تونس تعاني من تواصل التهديدات متكررة ضد الصحفيين مما يجعل من الصحفي بعيد كل البعد عن العمل في ظروف صحفية مريحة و آمنة

أكدت منظمة مراسلون بلا حدود مكتب تونس اليوم الجمعة 02 ماي 2025, أن مؤشر حرية الصحافة في العالم العربي عرفت أغلبها تراجعا مخيفا أو تقدما طفيفيا لا يجسد تطلعات العاملين بالمجال الصحفي أو المتلقين للمعلومة في صحافة حرية و مستقلة.

 أتى تقرير منظمة مراسلون بلا حدود صادما , إذ أكد أن تونس تُسجل التراجع الوحيد في شمال أفريقيا هذا العام, والتى فقدت 11 مركزا مسجلة بذلك المرتبة 129 , وتبعا لذلك سجلت أكبر تراجع في المنطقة على مستوى المؤشر الاقتصادي     بـ 30 مركزا. تعود أسباب ذلك إلى تأثير الضغوط المالية على وسائل الإعلام في بلدان شمال أفريقيا ومنها تونس.

وفي المقابل، حقق كل من المغرب بعض التقدم حيث اتت في المرتبة 120 بعد ان تقدمت ب9 مراتب., أما ليبيا فقد جاءت في المركز 137 متقدمة ب6 مراكز عن السنة الماضية, وإن كان البلدان معاً يراوحان مكانهما في الثلث الأخير من جدول الترتيب، حيث تواجه وسائل الإعلام المغربية والليبية هجمات متكررة تهدد استقلاليتها. وفي سياق القمع القضائي المستمر للفاعلين الإعلاميين حلت الجزائر في المرتبة 126 في الجزائر، تمكنت هذه الأخيرة من تحقيق ارتقاء طفيف في الترتيب بفضل العفو الرئاسي الذي استعاد بموجبه الصحفي إحسان القاضي حريته بعدما قضى 22 شهراً خلف القضبان.

في سياق متصل رأت المنظمة أن مؤشر حرية الصحافة في دول مثل فلسطين التى أتت في المرتبة 163 من بين 180 دولة في العالم شملها التقرير. حيث أضحت فلسطين من أخطر الدول على سلامة الصحفيين في العالم. فبالإضافة إلى الحصيلة المروعة للفاعلين الإعلاميين الذين قَتلهم الجيش الإسرائيلي في غزة، يعيش القطاع الفلسطيني المعزول تماماً على وقع تدمير مُعدات الصحفيين ومباني وسائل الإعلام في سياق حصار جاثم يخنق الصحافة. أما الصحفيون الفلسطينيون العاملون في الضفة الغربية، فيُزج بهم في سجون الكيان الصهيوني حوالي 112 صحفي .

أما في سوريا فرغم سقوط نظام بشار الأسد الديكتاتوري والالتزامات التي قطعتها السلطة الحاكمة الجديدة، تواجه سوريا التي حلت في المرتبة 177 تحدي إعادة بناء المشهد الإعلامي الذي عصف به الدمار والخراب. اما إيران فحلت في المرتبة 176 حيث لا تزال وسائل الإعلام المستقلة تئن تحت وطأة الضغوط في ظل منظومة قائمة على القمع والترهيب،

وعربيا أيضا حلت العراق في المرتبة 155 و البحرين 157 والسعودية 162 و عمان 134 و الكويت 128 و تبقى قطر من أفضل المراتب عرييا حيث حلت في المرتبة 79 ورغم هذه المراتب المتقدمة نسبيا في دول الخليج إلا أنه لا تتوفر بالضرورة أي ضمانات لحرية الصحافة، وإن كانت هذه المنطقة تُعتبر هي الأكثر ازدهاراً من الناحية الاقتصادية على صعيد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ لا تزال حرية الإعلام في مَلَكيات الخليج ترزح تحت وطأة الأنظمة القانونية القمعية والضغوط السياسية والتهديدات الخطيرة ضد الصحفيين.

أما على المستوى الإفريقي فقد أشارت منظمة مراسلين بلاد حدود إلى أن الاستقلالية الإعلامية في القارة السمراء مازالت تعاني الأمرين بين التمركز المستشري والاعتماد المفرط على سوق الإعلانات. حيث تشهد حرية الصحافة في الدول الإفريقية تراجعاً مقلقاً في العديد من الدول، علماً أن المؤشر الاقتصادي قد سجل تدهوراً ملحوظاً في جل بلدان هذه المنطقة، وذلك بنسبة بلغت 80%. ففي العديد من الحالات، لا تزال مِلكية وسائل الإعلام في أيدي قلة قليلة من الشركات الخاصة المقربة من السلطة أو في أيدي شخصيات لها مصالح سياسية معينة، مما يشكل تهديداً صارخاً للاستقلالية التحريرية.

وتبقى المراتب الاولى في مؤشر حرية الصحافة من نصيب الدول الغربية, حيث حلت النرويج و فلندا والدنمارك و هولندا و بلجيكا وكندا و الولايات المتحدة وغيرها من الدول في المراكز الأولى. في حين تذيلت القائمة, الدول العربية و الإفريقية و عدد من الدول الآ’سيوية و دول أمريكا اللاتينية.

و أشار مسؤول الحملات و المناصر بمنظمة مراسلون بلا حدود مكتب تونس أسامة بوعجيلة أن الوضع الإقتصادي للمؤسسات الإعلامية و منها التونسية أثرت على الصحافة الجادة و المسؤولة في مقابل انتشار “صحافة البوز” أو الجاذبة للمشاهدين دون مضمون, ينضاف إليه التطبيع الكامل مع الانتهاكات الصادرة بحق الصحفيين في أغلب دول العالم, و أبرز ذلك ما يتعرض له الصحفيون في فلسطين المحتلة والعاملون بالحقل الاعلامي, من استهداف ممنهج من قبل القوات الصهيونية لحجب الجرائم المرتكبة بحق المدنيين هناك. مما يحيلنا على الشكاية التى قدمتها منظمة مراسلون بلا حدود ضد الانتهاكات الصهيونية لعدم افلات الجناة من العقاب.

و بخصوص تراجع تونس في الترتيب العالمي لمؤشر حرية الصحافة, أرجع بوعجيلة ذلك إلى الوضعية التي يعاني منها الصحفي التونسي من تهديدات متكررة, تجعله بعيد كل البعد عن العمل في ظروف صحفية مريحة و آمنة و في كنف الاستقلالية و بمحتويات ذات جودة صحفية تحترم الحقيقة, تهم الواقع الاجتماعي و الاقتصادي للتونسيين, بل أصبح الصحفي في ظل كل هذه الظروف يبتعد شيئا فشيئا عن صمم المهنة الصحفية ومثاق الشرف الصحفي و العمل الصحفي الآمن و المريح.

و في ذات السياق لفت أسامة بوعجيلة إلى أنه رغم النظرة السودوية لواقع الصحافة في تونس و عديد الدول إلا أن الحلول ما زالت متوفرة للانتقال إلى واقع آخر مرضي, أبرزها تواصل صمود الصحفيات والصحفيين في وجه التضليل المعلوماتي المنتشر, و في وجه الشائعات التى أصبحت تتصدر المشهد الإعلامي. تبقى الرغبة الكبيرة لدى الصحفيين في التعاون على تجاوز هذا الوضع من خلال طلب التواصل مع الهياكل العمومية و سلطة سياسية و مسؤولين ومشرعين لإيجاد حلول تشاركية لانقاذ القطاع.

كاتب

طارق طرابلسي

صحفي متخرج من معهد الصحافة وعلوم الاخبار متخصص في الشؤون السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى