أكدت منيرة بن صالح، عن حركة أصوات عاملات الفلاحة، مساء اليوم الجمعة 26 ديسمبر 2025 لتوميديا أنّ العنف ضدّ النساء العاملات في القطاع الفلاحي ليس حوادث معزولة، بل هو عنف مركّب وممنهج تشارك فيه أطراف متعدّدة: المشغّل، السمسار، والدولة نفسها عبر سياسات التهميش وعدم الاعتراف.
تقول بن صالح إنّ العاملة الفلاحية تتعرّض أولًا إلى العنف من طرف المشغّل، حيث تعمل في ظروف قاسية دون عقود واضحة، بأجور زهيدة، وساعات عمل طويلة، في غياب تام للحماية القانونية. ويتفاقم هذا العنف بوجود السمسار، الذي يتحكّم في نقل العاملات، ويعرّض حياتهنّ للخطر عبر وسائل نقل غير آمنة وغير إنسانية، فضلًا عن استغلال حاجتهن للعمل واقتطاع جزء من أجورهن.
لكن أخطر أشكال العنف، بحسب تصريحها، هو العنف الصادر عن الدولة. فالدولة، عبر عدم اعترافها بمهنة العاملة الفلاحية، تمارس عنفًا مؤسسيًا واضحًا. إذ تُحرَم هؤلاء النساء من التغطية الاجتماعية والصحية، ومن الحق في التقاعد، ومن نقل آمن ولائق، وكأنّ عملهنّ غير موجود أو بلا قيمة. هذا الإنكار الرسمي يحوّل العاملة الفلاحية إلى كيان غير مرئي، رغم مساهمتها الأساسية في الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.
وترى منيرة بن صالح أنّ هذا الوضع يمسّ أيضًا من كرامة العاملة الفلاحية كمواطنة، إذ تُحرم من أبسط حقوقها المدنية والاجتماعية، ولا تُمنح الفرصة لممارسة دورها الكامل داخل المجتمع. فالعاملة الفلاحية لا تُعامل كإنسانة لها حقوق، بل كيد عاملة مؤقتة يمكن الاستغناء عنها في أي وقت.
وفي هذا السياق، تشدّد حركة أصوات عاملات الفلاحة على أنّ الاعتراف بمهنة العاملة الفلاحية هو المدخل الأساسي لإنهاء هذا العنف. فالاعتراف لا يعني فقط تسمية المهنة، بل الإقرار بأنّ هذه المرأة مواطنة كاملة الحقوق، لها الحق في الحماية الاجتماعية، والصحة، والتقاعد، والعمل في ظروف إنسانية وآمنة، مثلها مثل أي عاملة في أي قطاع آخر.
كما تشير بن صالح إلى وجود المرسوم عدد 4، الذي يُفترض أن يوفّر إطارًا قانونيًا لحماية العاملات الفلاحيات، إلا أنّه بقي إلى اليوم دون تفعيل. وتعتبر أنّ عدم تطبيق هذا المرسوم هو شكل آخر من أشكال العنف، لأنّ القوانين التي لا تُنفّذ تبقى حبرًا على ورق ولا تغيّر واقع النساء في الحقول.
وتختم منيرة بن صالح تصريحها بالتأكيد على أنّ نضال حركة أصوات عاملات الفلاحة يتمحور اليوم حول الضغط من أجل تفعيل المرسوم عدد 4، ومعرفة أسباب تعطيله، وضمان تطبيقه على أرض الواقع، باعتباره خطوة ضرورية – وإن لم تكن كافية – نحو إنهاء مسلسل العنف والتهميش الذي تعيشه العاملات الفلاحيات منذ عقود.
إنّ قضية العاملات الفلاحيات لم تعد مسألة اجتماعية هامشية، بل هي قضية كرامة وحقوق وعدالة اجتماعية، تتطلّب إرادة سياسية حقيقية، تعترف بالمرأة الفلاحة كركيزة أساسية في المجتمع، لا كضحية صامتة للعنف والإقصاء.




