أكدت الناشطة الجقوقية هند الشناوي مساء اليوم الجمعة 26 ديسمبر 2025 لتوميديا أن الساحة العالمية اليوم تشهد صعودًا غير مسبوق لليمين المتطرّف، يترافق مع هجمة منظّمة على النسوية وحقوق النساء والأقليات بصفة عامة.
هذه الهجمة لا تقتصر على الخطاب فقط، بل تتجسّد في سياسات تقشّف متوحّشة تمسّ بشكل مباشر الحقوق الجنسية والإنجابية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتعيد إنتاج التهميش والفقر والعنف الرمزي والمادي.
و قالت الشناوي أن تونس ليست خارج هذا السياق العالمي. بل يمكن القول إنّها تعيش إحدى أكثر مراحله حدّة، خاصّة في ظلّ تراجع خطير للمسار الديمقراطي وانكماش مساحات المشاركة في اتخاذ القرار فالنساء اليوم موضوعات على الهامش، مغيّبات عن دوائر التأثير، وأصواتهنّ لم تعد مسموعة كما كانت، في سياق سياسي تُحتكر فيه السلطة ويُدار فيه القرار بشكل غير ديمقراطي بالكامل.
لقد شهدت تونس خلال السنوات الأخيرة تراجعًا واضحًا عن مكتسبات تاريخية انتزعتها النساء بنضالات طويلة، سواء في ما يتعلّق بحرية التعبير، أو المشاركة السياسية، أو بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. هذه المكتسبات ليست امتيازات، بل حقوق أساسية، والتراجع عنها هو تراجع عن فكرة المواطنة ذاتها.
الأخطر من ذلك، أنّ السياسات الحالية تفشل في التفكير في العدالة باعتبارها عدالة جندرية أيضًا.
فالنساء في تونس لا يُقصين فقط لأنّهنّ نساء، بل لأنّهنّ ينتمين إلى فئة اجتماعية مُفقَّرة، مُهمَّشة، ومُقرَّرة فوقها السياسات دون مشاركتها. القمع هنا ليس استثناءً، بل أصبح ممارسة يومية، تتقاطع فيها السلطوية السياسية مع الذكورية الاجتماعية.
أمام هذا الواقع، لم يعد الصمت خيارًا. لقد حان الوقت لبلورة حركة نسوية قوية، واضحة، وغير متردّدة في توصيف الوضع الراهن. حركة تمتلك شجاعة تسمية الديكتاتورية باسمها، وتفكيك الخطاب التسلّطي بكل أشكاله، وربط النضال النسوي بالنضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
نحن في حاجة إلى نسوية سياسية، لا تكتفي بردّ الفعل، بل تطرح رؤية، وتبني بدائل، وتخوض معركة الحرّيات دون مواربة. نسوية تدرك أنّ تحرّر النساء لا يمكن أن يتحقّق في ظلّ الاستبداد، وأنّ أي مشروع ديمقراطي لا يضع النساء في قلبه هو مشروع ناقص، بل زائف.
إنّ ما يحدث اليوم في تونس ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات سياسية يمكن مواجهتها. والنسوية، إن كانت وفية لتاريخها، مدعوّة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن تكون في الصفوف الأمامية لهذه المواجهة



