نشر السياسي المعارض المنذر الزنايدي مساء اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 تدوينة مطوّلة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك، اعتبر فيها أن تونس تعيش مؤشرات قوية على نهاية مرحلة سياسية وبداية مسار تغيير جديد، في ظل تصاعد الوعي المجتمعي وتنامي الاحتجاجات، وتزايد المخاوف من انهيار اقتصادي قد تترتب عنه تداعيات اجتماعية خطيرة.
وأوضح الزنايدي أن حديثه عن نهاية ما وصفه بـ«منظومة الشعبوية العبثية» ليس جديدًا، مشيرًا إلى أنه سبق أن نبّه منذ أشهر إلى بوادر مسار الانهيار، غير أنه عاد إلى الموضوع حرصًا منه على المساهمة في ترشيد المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، خاصة في ما سماه «زمن الإنقاذ»، وهو أحد الأزمنة الثلاثة التي طرحها في إطار مشروع «الإنقاذ والإصلاح»، إلى جانب «زمن الثقة» و«زمن الإصلاح».
واعتبر أن مرحلة الإنقاذ ستكون محدِّدة لطبيعة المراحل اللاحقة، وقد تطول أو تقصر بحسب سلوك الفاعلين السياسيين والمدنيين، مؤكدًا أن إنجاحها يقتضي نكران الذات، ونبذ الإقصاء، وتجميع القوى الوطنية، وتطوير الممارسات السياسية، وابتكار أدوات جديدة للعمل العام، إلى جانب إعداد البرامج وتحديد الأولويات والتركيز على ما يخدم مصلحة المواطنين. وفي المقابل، حذّر من أن التعصب الحزبي والإيديولوجي، وحب الزعامة، وحروب المواقع، وتصفية الحسابات، ومنطق المحاصصة والمكافآت، كلها عوامل تُطيل عمر الاستبداد وتفاقم معاناة التونسيين.
وأشار الزنايدي إلى أن معركة التغيير، في نظره، لا تقتصر على مواجهة الاستبداد، بل تشمل أيضًا مقاومة السلوكيات السياسية التي مهّدت له وأسهمت في ترسيخه. وبيّن أن الإشكال الأساسي اليوم لا يتعلق بجدوى التغيير أو شرعيته، وإنما بكيفية التفكير فيه، من حيث فلسفته ودوافعه وأهدافه واستراتيجياته ومراحل إنجازه.
وفي هذا السياق، لفت إلى تعدد المقاربات المطروحة للتغيير، من بينها من ينظر إليه كحنين إلى الماضي ومحاولة للعودة إلى ما قبل فقدان النفوذ والامتيازات، أو كفرصة لإعادة إنتاج صراعات ما قبل 25 جويلية 2021 أو ما قبل 14 جانفي 2011، ومن يعتبره مدخلًا للانتقام أو لاكتساب شرعية سياسية جديدة تحت عناوين النضال أو مقاومة الاستبداد.
وشدد الزنايدي على أن تجارب تونس الحديثة، وكذلك تجارب دول أخرى، تُظهر أن التغيير لا يمكن أن يتحقق بالعودة إلى الوراء، معتبرًا أن الأزمات التي عاشها التونسيون خلال فترات الحكم المتعاقبة أسهمت في رفع منسوب الوعي بمخاطر الفساد والاستبداد والتوافقات غير الشفافة والشعبوية، وما وصفه بـ«الاستبدال الكبير» للكفاءة بالرداءة والاستحقاق بالمحسوبية.
وأكد أن العودة إلى الماضي لا تكون إلا لاستخلاص الدروس، داعيًا إلى نقد ذاتي صادق وجريء يؤمّن البلاد من إعادة إنتاج أسباب الفشل. واعتبر أن هذا النقد لا يعني جلد الذات أو التراجع عن مواجهة الاستبداد، بل يشكّل خطوة نحو توسيع المشترك الوطني وبناء إجماع قائم على المستقبل لا على صراعات الماضي.
وفي تناوله لمفهوم الدولة، دعا الزنايدي إلى بناء دولة قوية وعادلة واستراتيجية في خدمة شعبها لا حكامها، توزع خيراتها بشكل عادل، وتضع المواطن في قلب سياساتها. كما شدد على ضرورة أن تُدار شؤون البلاد من قبل كفاءات تتوفر فيها النزاهة والخبرة والاستقلالية، مع اعتماد مبدأ «التوليف» بدل «التوافق» الذي اعتبر أنه كثيرًا ما تحوّل إلى محاصصة عطّلت القرار.
وفي المقابل، أكد على أهمية الحفاظ على استقرار المؤسسات والسلطات والوظائف السيادية، وضرورة تحييدها عن التجاذبات السياسية، بما يضمن حياد المؤسسة الأمنية، ودور الجيش الدفاعي والتنموي، واستقلال القضاء، وإرساء عدالة انتقالية تنصف الضحايا دون أن تتحول إلى أداة انتقام. كما دعا إلى دبلوماسية معتدلة ومنفتحة تحافظ على سيادة القرار الوطني وتدافع عن مصالح البلاد دون الانخراط في صراعات المحاور.
وطرح الزنايدي في ختام تدوينته مفهوم «التغيير ضمن الاستقرار»، معتبرًا أن نجاح مسار التغيير يقتضي التمييز بين ما يجب تغييره وما ينبغي الحفاظ عليه، حتى لا تتحول البلاد إلى «رحلة نحو المجهول». وأكد أن التغيير المنشود يجب أن يكون جامعًا وغير إقصائي، يوزّع آفاقه ومكاسبه بشكل عادل على التونسيين كافة، ويمنح الأمل لكل من خابت آمالهم خلال السنوات الماضية، باستثناء من أجرم في حق البلاد.
وختم بالتأكيد على أن «التغيير ضمن الاستقرار» يعكس درجة من النضج والوعي الجماعي تمكّن تونس من إنجاح مرحلة الإنقاذ وفتح الطريق أمام إصلاحات عميقة قائمة على الثقة في النفس وفي المستقبل.




