شدّد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، الطاهر البرباري خلال حوار خص به توميديا صباح اليوم الاربعاء 10 ديسمبر 2025، على أنّ الإضراب الذي نفّذه قطاع الصناعات الغذائية والتجارة يندرج ضمن سلسلة تحركات اجتماعية متواصلة، نتيجة ما وصفه بـ”الوضع المتردّي الذي يعيشه عمال القطاع الخاص” وتوقّف الحوار الاجتماعي بشكل غير مسبوق.
وأوضح البرباري أنّ الاتحاد انطلق منذ أسابيع في مفاوضات مركزية حول مراجعة الاتفاقيات القطاعية بعد تنقيح مجلة الشغل، إلى جانب مناقشة الجوانب الترتيبية والمالية.
وأشار إلى أنّ اتفاقًا مبدئيًا حصل بين الاتحاد ومنظمة الأعراف والحكومة، يقضي بإعادة فتح المفاوضات القطاعية، قبل أن تتفاجأ المنظمة الشغيلة بإعلان توقّف جميع جلسات التفاوض والصلحية دون تفسير.
وقال البرباري:”ما حدث خرق واضح للقانون التونسي والاتفاقيات الدولية. هذه أول مرة في تاريخ المفاوضات الاجتماعية في تونس يتم فيها إيقاف جلسات الصلحية وإغلاق باب الحوار بهذا الشكل.”
وأكد البرباري أنّ منظمة الأعراف ربطت موافقتها على الزيادة في أجور القطاع الخاص لسنة 2025 بما وصفته بـ”القرار السياسي”، في إشارة إلى انتظارها ما سيصدر عن قانون المالية.
وأضاف أنّ مفاوضات مطوّلة جرت حتى السابعة مساء ليلة الإضراب، وتمّ خلالها الاتفاق على زيادة بـ7%، قبل أن تتراجع منظمة الأعراف وتبلغ الاتحاد بأنّ “لا مجال لذكر الزيادة لسنة 2025 لأنها لم تُدرج في قانون المالية”.
واعتبر البرباري أن هذا الموقف يعكس “خضوع الملفات الاجتماعية للقرار السياسي”، مضيفًا أنّ الحكومة أقصت الاتحاد من ملف الزيادات في الأجور من خلال إفراد القطاع العام بزيات دون القطاع الخاص.
و انتقد البرباري الفوارق الكبيرة بين أجور القطاع العام والخاص، معتبرًا أنّ استثناء القطاع الخاص من الزيادة المقترحة ظلم غير مبرّر.
وقال إنّ أكثر من 600 ألف عامل في القطاع الخاص يعيشون بأجور متدنية لا تتجاوز في أغلبها 600 دينار، مضيفًا:
“كيف يمكن لعامل يتقاضى 600 دينار أن يعيش بكرامة؟ كيلو من اللحم يمثل 10% من أجره. بعض العمال يعولون عائلات بأجر لا يتجاوز مليونًا ومئتي ألف… هل هذا معقول؟”
كما أشار إلى مفارقة يخضع فيها الأجر الأدنى في القطاع الخاص للضريبة، رغم أنّ جدول الضريبة يعفي كل من يقلّ دخله عن 5 الاف دينار.
وحول الحملة الإعلامية التي تتهم الاتحاد بالفساد والامتيازات، اعتبر البرباري أنّ أغلب ما يُتداول “لا يستند إلى أي حجج”، وأن بعض الإعلاميين “دخلاء على المهنة” ويستخدمون منصاتهم لضرب المنظمة الشغيلة.
وأضاف:”إذا وُجد خطأ فنحن أوّل من يعترف به، لكن ما يُروّج من اتهامات بلا أدلة هدفه ضرب مصداقية الاتحاد وتبرير الخيارات السياسية الحالية.”
واعترف البرباري بأن الاتحاد نفسه مطالب بتطوير هياكله وآليات عمله لمواكبة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، قائلاً:
“العالم تغيّر، والصناعة تغيّرت، والاستثمار تغيّر… ومن الطبيعي أن نطوّر هيكلتنا أيضًا.”
و أكد البرباري على أنّ الإضراب قطاع الصناعات الغذائية والتجارة ليس نهاية التحركات، بل هو “مرحلة من مراحل التصعيد”، مشددًا على أنّ الاتحاد لن يقبل باستثناء القطاع الخاص من الزيادات في الأجور لسنة 2025.
وقال: “لن نسكت عن حقّ العمال. الإضراب ناجح، لكن المعركة لم تنتهِ. سنواصل احتجاجاتنا حتى تتم استعادة المفاوضات والالتزام بالزيادات التي يستحقها العامل التونسي.”
من جهة اخرى اكد البرباري أنّ الاتحاد يعيش اليوم هوّة كبيرة بين المنخرطين وهياكله، معتبرًا أنّ القواعد أصبحت بعيدة عن مركز القرار، وأنّ الهياكل فقدت جزءًا من وظيفتها الجوهرية.
وقال البرباري إنّ النقابات الأساسية هي الأصل، وأنّ الهياكل المركزية يجب أن تلعب دورًا استراتيجيًا لا أن تتحمل أعباءً تنظيمية يومية أبعدتها عن مهمتها الحقيقية. وأضاف أنّ هذا الخلل الهيكلي خلق توترًا داخليًا متصاعدًا أصبح من الضروري معالجته.
وتابع البرباري أنّ الوضع التنظيمي المتأزم جعل المطالبة بتقديم موعد المؤتمر خيارًا ضروريًا، مؤكّدًا أنه دعا منذ البداية إلى عقد مؤتمر استثنائي في جانفي 2025.
وأوضح أن المؤتمر المطلوب لا يتعلق فقط بتغيير أشخاص أو انتخاب هياكل جديدة، بل هو مشروع كامل لإعادة بناء الاتحاد، قائلاً:”تجربتي 17 سنة في منظمة دولية علمتني أن الأزمات تُعالَج برؤى وهيكلة واستراتيجية، وليس فقط بتغيير وجوه. الأفكار الجديدة تحتاج أشخاصًا جدد، لكن الأساس هو المشروع الإصلاحي.”
وشدد على أن مستقبل الاتحاد يمرّ عبر الحوكمة الرشيدة، الشفافية المالية، التسيير الديمقراطي، وتحديث آليات العمل النقابي بما يتماشى مع متطلبات الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
وفي ما يتعلق بالمخاوف من أن تقديم المؤتمر قد يفتح الباب أمام تدخل السلطة، اعتبر البرباري أن هذه الهواجس “مشروعة لكن غير واقعية”، قائلاً:”منذ 1956 والسلطة تحاول اختراق الاتحاد ولم تنجح. اليوم لدينا جيل شاب وواعٍ قادر على حماية المنظمة.”
وأضاف أن هذا الجيل من النقابيين “أثبت ولاءه للاتحاد رغم الأزمة الداخلية”، مشيرًا إلى أن القواعد متمسكة بالمنظمة وبمرجعيتها ولا يمكن أن تسمح بالمسّ بها.
ووجّه البرباري رسالة مباشرة للشباب النقابي:”كونوا مطمئنين. الاختلافات داخل المنظمة لا تعني الانقسام فمصلحة الاتحاد فوق الجميع، ولن نسمح لأي طرف بالإضرار بها.”
وفي سياق متصل، انتقد البرباري وصف الإضراب العام بـ”السياسي”، واعتبره توصيفًا مضللًا، مبيّنًا أن كل الملفات الاجتماعية هي ملفات سياسية لأنها ترتبط بسياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
وقال:”حين نتحدث عن التضخم، القدرة الشرائية، الأجور، الحقوق النقابية… نحن نتحدث عن السياسة الاجتماعية للدولة. هذا ليس جرمًا بل هو جوهر العمل النقابي.”
وأضاف أن الاتحاد يخوض الإضراب دفاعًا عن الحقوق والحريات وفي مقدمتها الحق النقابي، معتبرًا أن بعض التتبعات القضائية ضد نقابيين تحمل طابعًا ملفقًا، رغم تأكيده احترام القضاء وانتظار أحكامه.
وبيّن البرباري أن هذه التجاذبات الداخلية والسياسية خلقت مناخًا متوتّرًا جدًا داخل المنظمة، قائلاً:”لا نخفي أن الوضع متوتر جدًا فالهوّة بين قواعدنا وهياكلنا اتسعت، وهذا يستوجب مراجعة شاملة وبجرأة.”
وأضاف أن هذا ما يجعل تقديم المؤتمر “ضرورة قصوى” لإعادة ترتيب البيت الداخلي وإعادة الاعتبار للنقابات الأساسية.
وأشار البرباري إلى أنّ الإضراب العام الذي سيتم تنفيذه خلال شهر جانفي لا ينفصل عن السياق العام الذي تعيشه المنظمة وعلاقتها بالسلطة، مشددًا على أنه جاء نتيجة غياب التفاوض، وتدهور الحريات، وتضييق على النشاط النقابي.
قائلا:”الإضراب ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة للدفاع عن الحقوق. ما نطالب به بسيط: احترام الحق النقابي، ضمان الحريات، واستعادة الحوار الاجتماعي. الاتحاد لن يتراجع عن دوره ولن يتخلى عن قواعده في أصعب الظروف.”
وتطرّق البرباري إلى الوضع الحقوقي، مؤكدًا أنّ وجود سياسيين وحقوقيين ونقابيين في السجن يفرض على الاتحاد اتخاذ موقف صريح.وقال:”من له قضية وملف واضح، القضاء يحكم. لكن عندما يتم إيقاف العديد بموجب مرسوم 54 فقط بسبب رأي أو نقد، هنا ندخل في انتهاك للحريات.””لماذا يُحاكم المنتقدون بمرسوم 54… بينما يتم يوميًا شتم الاتحاد واتهامه وتشويهه في البلاتوهات دون أي إجراء؟”
وأضاف أنّ هذا الوضع يزيد التشكيك في نوايا السلطة، وخاصة عندما ترفض ضمان الزيادة في الأجور للقطاع الخاص لسنة 2025، رغم المصادقة على الزيادات في القطاع العام.
واعتبر البرباري أنّ الأزمة الاجتماعية لا تنفصل عن الوضع التعليمي، قائلًا:”كيف نطلب من المربي أن يساهم في بناء جيل جديد وهو يتقاضى مليونًا وأربعمائة فقط؟ كيف يصل لعمله؟ كيف يلبس؟ كيف يعيش؟”
وأضاف أنّ انهيار المنظومة التعليمية مسؤولية الدولة التي لم تقدم حلولًا منذ سبع سنوات رغم تعاقب الحكومات.
وأشار البرباري إلى أن البلاد تعيش وضعًا اقتصاديًا خطيرًا قائلاً:”اليوم نقترض من البنك المركزي لنوفر السيولةو المؤسسات العمومية في وضع صعب و الدولة فقدت قدرتها على الاستثمار هذا مستقبل تونس وليس مجرد أزمة عابرة.”
وتساءل:”تقولون 650 ألف مؤسسة نشيطة… لكن أين التنمية؟ أين التشغيل؟ أين الإنتاج؟”
وانتقد البرباري إعلان ترسيم أكثر من 60 ألف عامل بالمناولة، معتبرًا أنه رقم غير مدروس.وقال:
“في القطاع الخاص، لا أحد يرسّم عاملًا بسهولة في السياحة مثلًا، لم يقع ترسيم أحد و هناك عمال طُردوا بعد أيام من تسوية وضعيتهم. فهل يوجد من يوقف ذلك؟”
وأضاف أنّ الترسيم يتمّ أحيانًا شكليًا تمهيدًا للتسريح، معتبرًا أن الحكومة رفعت شعارات “تجريم المناولة” دون تشريك الاتحاد أو فهم تفاصيل الملف:”كان من الممكن تطبيق القانون، لكن بطريقة مدروسة وبحسن نية. التفاصيل نحن نعرفها… والواقع لا يكذب.”
وتحدث البرباري بمرارة عن علاقة الاتحاد بمنظمة الأعراف، قائلاً:”كنا نعتقد أن تاريخنا المشترك سيوصلنا لحلول. اعتقدنا أنهم سيقفون معنا في الزيادة بـ25%. لكننا وجدنا انسحابًا كاملًا من المشهد.”
وأكد أنّ أغلب أرباب العمل يعترفون بأنّ المؤسسات رابحة، وبأنّ أجور القطاع الخاص لا تعكس الجهد المبذول، لكن رغم ذلك لم تتحرك منظمة الأعراف بالشكل المطلوب، وفضّلت الصمت.
الحوار كاملا بتفاصيليه في الرابط التالي
https://www.facebook.com/share/v/1DY1cE7WPq/




