يشهد النظام السجني في تونس حالة من الاكتظاظ الحاد، حيث يمثل الموقوفون أكثر من 40٪ من مجموع النزلاء، وفق ما أكده مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية في ورقته السياسية “إصلاح المنظومة الجزائية في تونس بما يضمن حماية الحقوق والحريات”. ويبلغ عدد السجناء حاليًا نحو 33 ألف سجين، بمعدل 260 سجين لكل 100 ألف نسمة، وهو أعلى مستوى تسجله البلاد منذ عقود، ما يعكس أزمة هيكلية تتعلق بالإيقاف التحفظي ونقص البدائل العقابية المناسبة حسب وكالة تونس افريقيا للأنباء.
في هذا السياق، يرى الدكتور فريد بن جحا، المختص في القانون، أن تفعيل العقوبات البديلة بالشكل المناسب يمكن أن يقلل الاكتظاظ إلى أكثر من نصفه، إذ أن أغلب الحالات تتعلق بجرائم بسيطة وجنح لا تستدعي العقاب السجني. ومن أبرز هذه البدائل: العمل لصالح المجتمع، الصلح بالوساطة قبل إحالة القضية للمحكمة، وبرامج المراقبة الإلكترونية مثل السوار الإلكتروني، الذي ما زال مشروعه معطلًا.
لكن تطبيق العقوبات البديلة يواجه العديد من العراقيل، على رأسها الإشكالات القانونية، إذ يشترط القانون أن تكون الجرائم من نوع محدد، مع وجود نقاوة في السوابق العدلية، بينما تعجز المحاكم عن الحصول على بطاقات السوابق العدلية في الوقت المناسب بسبب كثرة القضايا وسرعة البت في القضايا الجناحية. كما أن القاضي لا يتمتع دائمًا بحرية اختيار العقوبة الملائمة لشخصية المتهم أو لظروف الجريمة.
إلى جانب العراقيل القانونية، توجد صعوبات إجرائية وثقافية، من بينها نقص المكاتب الإشرافية على تنفيذ العقوبات البديلة في كامل التراب الوطني، وضعف البنية الاجتماعية التي تسمح بتنفيذ العقوبة داخل المؤسسات العامة، إضافة إلى عدم وعي بعض المحكوم عليهم بمعنى العقوبة البديلة أو رفضهم لها ظنًا أنها إهانة.
ويشير بن جحا إلى أن تفعيل العقوبات البديلة له فوائد عديدة للدولة والمجتمع، فهو يقلل نفقات السجون، يحد من نسب العود في الجريمة، ويضمن مبدأ “الحرية هي الأصل” وقرينة البراءة للأشخاص المتورطين في جرائم بسيطة. كما أن تطوير برامج الصلح بالوساطة بين طرفي النزاع قبل إحالة القضية إلى المحكمة يمكن أن يحل العديد من القضايا دون الوصول إلى السجن.
وبذلك، يشدد مركز الكواكبي على أن الإصلاح الجذري للمنظومة الجزائية لا يقتصر على السجون نفسها، بل يتطلب تفعيل العقوبات البديلة وتوفير البنية القانونية والإجرائية والاجتماعية المناسبة، لضمان حماية الحقوق والحريات، وتخفيف الاكتظاظ، وتحقيق العدالة بشكل أكثر فاعلية ومرونة




