épingléتقارير

في ظل سياسة التضييق على المنظمات المدنية.. من يتحمل مسؤولية الفراغ المرتقب؟

تحولات عميقة تعرفها تونس على الصعيد البناء العام للنظام السياسي تميز بانحسار دور الأجسام التنظيمية والهيكيلية وصولا إلى الجمعيات و المنظمات المدنية

تعيش عدة منظمات مدنية، في تونس منذ فترة، على وقع تضييقات غير مبررة، من قبل السلطة، سبقتها حملات إعلامية وإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، لشيطنة تلك الجمعيات، ومنذ أسبوع استفاق التونسيون في ذروة أحداث قابس البيئية والصحية، على بيانات تحظر نشاط عدد من الجمعيات مؤقتا منها “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات”، وكان ذلك يوم 25 أكتوبر الحالي، من خلال تعليق نشاطها لمدة شهر، ثم أعقبه لاحقا يوم 27 أكتوبر إعلام “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” بتعليق نشاطه هو أيضا بنفس المدة. كما وقع الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 الإعلان عن تعليق نشاط جمعية “منامتي” الناشطة في مجال مناهضة العنصرية ومساعدة المهاجرين غير النظاميين، لمدة شهر وتجميد أموالها.

قرارات وإجراءات تعسفية 

خلال الأسبوع المنقضي، أُعلن عن فتح تحقيق قضائي بخصوص تلقي بعض منظمات المجتمع المدني تمويلات أجنبية، لبعض الجمعيات منها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منظمة أنا يقظ ، والبوصلة” وموقع “إنكفاضة” الإلكتروني. وكان آخرها تعليق نشاط مركز شاهد للتحولات الديمقراطية، وأن قرار التعليق سيشمل منظمات أخرى بدعوى تلقيها تمويلات مسترابة وغير معلنة من أطراف أجنبية.

كما أمرت السلطات القضائية في تونس خلال شهر أكتوبر 2025 بـ”تجميد أصول بعض الجمعيات ريثما تنتهي التحقيقات”. حيث وصل عدد الجمعيات التي وقع حلها إلى حوالي 47 جمعية  بالإضافة إلى تجميد أصول 36 جمعية أخرى”.

ردود فعل عديدة رافقت الإجراءات المعلن عنها، وطنيا و دوليا، أغلبها عارض تلك القرارات واعتبرها محاولة من النظام الحاكم تصفية العمل المدني واقتلاعه من جذوره، باعتباره قوة معارضة لعدد من قراراته وسياساته، بنما اعتبرتها أطراف مساندة للسلطة إجراءات قانونية ومن حق الدولة التثبت في أنشطة عدد من الجمعيات وتمويلها المالية بعد حيادها عن أهدافها المرسومة وتوجهها نحو العمل السياسي المعارض بحسب تبريراتهم.

فما هي الأسباب المباشرة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات؟ ولماذا وقع تعليق النشاط لمدة شهر؟ وهل تكون هذه الإجراءات بداية لقرارات حل نهائي أو منع نشاط لتلك الجمعيات؟ 

موقف الأطراف الحقوقية من قرار التعليق الوقتي

الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وعلى لسان نائب رئيسها جمال الدين السبع، أكد أن تعليق نشاط بعض الجمعيات المدنية هو انتهاك خطير لعمل الجمعيات والنشاط المدني، متمنيا أن يكون التعليق وقتيا فقط لا أن يكون مقدمة للحل والتجميد النهائي، معبرا في ذات الوقت عن تضامن الرابطة مع تلك الجمعيات. 

وأشار السبع لتوميديا، أن العمل المدني منصوص عليه بدستور الجمهورية التونسية، ويتنزل وفق تقديره في ظرفية عامة تعيشها البلاد ولا تلبي طموحات المواطنين والثورة التونسية، وفق تعبيره. وفي إطار من التضييق العام على السياسيين والناشطين المدنيين والنقابيين والإعلاميين. وكل نفس مخالف لتوجهات السلطة، معتبرا أن كل هذه الضغوطات والتضييقات فقط للتغطية على الفشل الاقتصادي والاجتماعي الذريع للنظام وسقوط نهجه السياسي في الحكم. وأن جميع القرارات المتخذة ضد الجمعيات هي قرارات مفتعلة للتغطية على الفشل في إدارة البلاد.

و في هذا الإطار كشف السبع أن الرابطة اتصلت بمختلف الجمعيات المدنية التي صدر بحقها قرار تعليق النشاط و أكدوا لرابطة حقوق الإنسان أنهم استوفوا كافة وثائقهم و إجراءاتهم الإدارية والمالية، ردا على مراسلات رئاسة الحكومة، مشيرا في هذا الصدد إلى تضارب التصريحات بين رئاسة الحكومة والجمعيات المستهدفة بخصوص استيفاء الإجراءات. مستغربا من رد الحكومة الذي ينطوي في رأيه على بعض التضارب.مُعلقا آمالا كبيرة على استئناف تلك الجمعيات لنشاطها السابق دون مضايقات السلطة، وفي كنف الحرية والشفافية. معبرا عن تخوفه من كون هذه التضييقات يمكن أن تصل للرابطة، بحكم مواقفها المعتادة المخالفة لبعض قرارات السلطة الحاكمة، رغم استيفائهم لكافة شروط العمل المدني والحقوقي.

أما الناشط الحقوقي والرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية مسعود الرمضاني، فقد أكد لتوميديا، أن منظمات المجتمع المدني لم يبقى لديها غير مسار الدفاع عن النفس أمام الهجمة غير المسبوقة للنظام على العمل المدني والذي انطلق منذ فترة طويلة، مشيرا إلى أنه على كافة الأحزاب والجمعيات أن يكون لها شفافية في نشر تمويلها وتعلن عن أنشطتها المدنية وتحركاتها، وكل الجوانب القانونية والإدارية المختلفة، أن تكون مكتملة الإجراءات و تتحرك في إطار ما يسمح به القانون، حتى تسحب أي ذريعة من النظام لاستهدافها.

و أضاف الرمضاني أن ما تقوم به السلطة حاليا من تضييقات، غير مستغرب وهو تجسيد عملي  لبرنامج رئيس الجمهورية الذي أفصح عنه منذ سنة 2019 خلال تقديم برنامجه السياسي ومفهومه للحكم، بأنه لا يؤمن بالأجسام الوسيطة من منظمات وجمعيات وأحزاب، التي لم تعد تصلح وفق مفهومه للديمقراطية، جازما بأن النظام الحاكم سيسعى جاهدا للقضاء على كل الأجسام الوسيطة والتخلص منها نهائيا.

وفي سياق متصل، اعتبر الناشط الحقوقي والمدني مسعود الرمضاني أن الإختيار على منظمات بعينها جاء على أساس مساندتها لأحداث قابس البيئية الخطيرة، والتي شهدت خروج رئيس الدولة بخطاب يحمل الكثير من التهديدات في أغلبها لتلك الجمعيات المساندة للحراك المدني في قابس سواء بالتحركات و الوقفات أو عبر البيانات.

ولاحظ الرمضاني أن ردود فعل المجتمع المدني على التضييقات في أغلبها ردود مشتتة و تكتفي بالبيانات، وهنا وجب تجميع القوى من خلال التحرك المشترك وفق تقديره، مع إيجاد تصور جماعي للمحافظة على ذاته كأحد مكونات الدولة، وأن تكون للأحزاب السياسية موقف مشترك مع المجتمع المدني لأن مستقبل الديمقراطية في تونس ومستقبل الحريات مرتبط بوجود هياكل تصنع التعديل في منظومة الحكم وخاصة في وضع تونس الحالي، من خلال فرض مفاهيم حقوق الإنسان والحريات وحرية التنظم. معبرا عن تخوفه من توسع هذه الإجراءات في إطار سعي السلطة لضرب كل الأجسام الوسيطة والقضاء على الديمقراطية المتعارف عليها الديمقراطية الليبرالية التي تضمن حرية النشاط للأحزاب والمنظمات والنقابات وكل التشكيلات المنظمة. 

أكثر المتضررين من تعليق عمل الجمعيات المدنية

عديدة هي الأطراف المتضررة من تعليق عمل المنظمات المدنية والجمعيات، إذ أن أغلب عملها يكون عادة إما مع المواطنين بمختلف فئاتهم و شرائحهم، أو مع جمعيات أخرى في إطار تشبيك العمل المدني، وتكون خدماتها إما على الميدان بالتواصل وتقديم خدمات معينة أو من خلال العمل التحسيسي والتوعوي او في شكل دراسات علمية توثيقية، فالفضاء العام غزير بالتشعبات والقضايا، والجمعيات تعمل في تخصصات عدة يكون هدفها وغايتها المواطن قبل كل شيء.

من بين المتضررين من تعليق عمل أحد أبرز المنظمات العاملة في المجال الحقوقي وما يرتبط به من القضايا ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، نجد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. حيث اتصلنا بالمحامي لدى التعقيب والعضو السابق بالهيئة الوطنية للمحامين، الطاهر يحيى، والناشط بدوره في المجتمع المدني، حيث كانت له تجربة سابقة في العمل ضمن شراكة و تعاون مع المنتدى، في مسألة تخص الجانب البيئي، وشهدتها منطقة السبيخة من ولاية القيروان، وتحديدا منطقة “جبل فضلون”، التي تتمتع بطبيعة ساحرة من غابات ومراعي وتنوع بيولوجي و إيكولوجي فريد، وكان المتنفس الوحيد للمواطنين باعتباره يقع في منطقة مجاورة لحدود ولاية سوسة وزغوان،  فأراد عدد من رجال الأعمال استغلاله كمقطع حجري، وبطريقة غير مفهومة و ربما شابتها بعض مظاهر الفساد تحصلوا على تراخيص استغلال للجبل المذكور، وانطلقوا في الأشغال، إلا أن أهالي المنطقة تصدوا لهم بمساعدة بعض المنظمات المدنية والشخصيات الحقوقية، وفي هذه اللحظة كانت الوقفة الحازمة والصوت المرتفع من نصيب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، الذي لم يدخر جهد لمساعدة أهالي المنطقة و التشبيك مع الجمعيات المدنية في الجهة لفضح المؤامرة التي كانت ستؤدي إلى القضاء على معلم بيئي و إيكولوجي وطبيعي فريد من نوعه في المنطقة. وقام بتنظيم ندوات في الغرض و إصدار بيانات مساندة القانونية والحقوقية للأهالي، وسعى للتعريف بقضية جبل فضلون البيئية ودافع عن حق المواطنين في بيئة و محيط سليمين، في مواجهة شجع أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يهمهم سوى الربح بأي طريقة، وبعد الاشتغال على الموضوع وإعلام مختلف السلطات المتدخلة وقع اكتشاف الثغرات ودور الفساد الإداري في تمرير تلك الرخص، ليقع تصحيح الوضع وانقاذ الموقع الطبيعي من الاندثار، وكان الفضل الكبير لمندى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفق المحامي والناشط المدني الطاهر يحي. 

يحي اعتبر أن وجود المجتمع المدني في الحياة العامة ضرورة حياتية و منظم بقانون وكل الدول عرفت العمل المدني بما هو جمعيات و منظمات و تعاونيات وغيرها، أصبح تجذُره في الحياة العامة مسألة طبيعية، فهو شريك للدولة و يتعاون معها في خدمة المجتمع، بل إنه في بعض الأحيان يقدم خدمات تعجز في بعض الأحيان الدول والحكومات على تقديمها.

وجهة نظر مساندو السلطة

من جانب آخر، أفاد الأمين العام لحزب مسار 25 جويلية محمود بن مبروك، في تصريح لتوميديا، بأن تعليق نشاط بعض الجمعيات بصفة وقتية أو حتى إيقاف نهائي، أو التدقيق الشامل للتمويلات المالية لتلك الجمعيات، هو أمر طبيعي وقانوني،ينظمه قانون 88 الخاص بعمل الجمعيات، ولسلطة الإشراف مطلق الحرية في رقابة المداخيل والنشاطات وكافة الجوانب القانونية والإدارية. كما من حقها تسليط عقوبة متدرجة وفق ما يسمح به القانون. 

واعتبر بن مبروك أن العمل المدني في تونس قديم ويحظى بمكانة مميز لدى الحكومة والمواطنين، وهناك عشرات الجمعيات تشتغل دون معوقات أو تضييقات ودون مشاكل، لكن ما وقع ملاحظته مؤخرا، خاصة في أحداث قابس وما وقع توثيقه من أموال رصدت للجمعيات، هي التي فتحت الباب لاتخاذ مثل هذه الإجراءات بحقها وفق تقديره، مشيرا إلى أن عددا من الجمعيات حادت عن أهدافها ونشاطاتها المعتادة وأصبحت تمارس السياسة وتحرض ضد النظام وتعارضه وتؤلب الشارع التونسي عليه. وبذلك تكون تلك الجمعيات قد حادت على أهدافها وأسباب وجودها وهو ما يمنعه القانون التونسي وفق تعبيره.

وفي هذا الصدد ذكر بن مبروك أن السنة الفارطة وخلال جلسة عامة بالبرلمان أعلنت ممثلة الحكومة آنذاك عن غلق أكثر من 130 حزب ممن أُعلن عن تأسيسهم في 2011 ثم ما لبثوا أن توقف نشاطهم، أو أستعملوا لغايات انتخابية، كما أنهم لم يقوموا بتقديم تقارير عن أنشطتهم و ذممهم المالية، حينها اتخذت الحكومة قرار بشأنهم وتم حلها جميعا، لذلك فقد اعتبر الأمين العام لحزب مسار 25 جويلية، أن ما يقع حاليا مجرد زوبعة في فنجان. مبينا أن الدولة لم تمنع أي جمعية من العمل وتضمن حرية العمل المدني لكن وفق ضوابط قانونية معينة وفق تعبيره، 

واتهم محمود بن مبروك أطرافا لم يسمها باستعمال مسألة الجمعيات وقرارات تعليق النشاط بشهر توظيفها سياسيا، مع العلم أن هناك بعض الجمعيات متهمة بتلقى تمويلات مشبوهة ومن واجب الدولة التدقيق في تلك التمويلات و مصادرها واستعمالاتها وفق تعبيره.

من جانبه، أكد عضو مجلس نواب الشعب عن كتلة الخط الوطني السيادي، ورئيس لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان، محمد على لتوميديا، أن تعليق نشاط بعض الجمعيات يندرج ضمن ما يسميه البعض بانحسار المناخ الحقوقي والحريات في تونس،  ولكن إن عدنا إلى بدايات الثورة سنة 2011  وحتى خلال انتفاضة الحوض المنجمي 2008، كانت أغلب المطالب تخص الشغل و الحرية والكرامة وهي مطالب لم تتبلور إلى غاية اليوم بعد مرور كل هذه السنوات.فلا خدمات اجتماعية ولا تشغيل ولا اقتصاد متقدم، بل زادة نسب الفقر والبطالة وتردت الخدمات بصفة ملحوظة، أما في مستوى التنظيم المدني والسياسي فبعد فترة استبدادية تخللت حكم بورقيبة وبن علي، إلى أن تم الإعلان عن المرسوم عدد 88 في 24 سبتمبر 2011، المتعلق بتنظيم الجمعيات، والذي اعتبر في حينه مرسوما ثوريا يتيح حرية تأسيس الجمعيات والعمل المدني المُنظَم. وبذلك تحققت بعض المكاسب، على أساس إشراك جميع المكونات في بناء وطن ديمقراطي حر.

في هذا السياق، تطرق النائب محمد على، إلى العمل المدني والاجتماعي ، إذ اعتبر أن الجمعيات كانت تقوم بدور حماية الحراك الاجتماعي والمطلبي من مساواة أو وضع المرأة أو حماية الطفولة، أو حماية المعطيات الشخصية، مثمنا دور عديد المنظمات على غرار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرهم من الجمعيات التي قامت بأعمال جبارة في مجال تخصصها الإجتماعي والإنساني، من احتضان للمطالب الاجتماعية أو المحافظة على البيئة والطبيعة ودعم قضايا المرأة والمجتمع، وقضايا التشغيل والتنمية ومحاربة الفساد.

 وكشف محدثنا، أن عديد الجمعيات، وقعت في فخ التجاوزات في الفترة السابقة لإعلان إجراءات 25 جويلية 2021، وكان من المفروض في ضوء تلك التجاوزات، أن يقع إعادة تحيين علاقة تلك الجمعيات بالطبيعة المطلبية للمجتمع التونسي للابتعاد قدر المستطاع عن أي تجاذبات، وذلك من خلال تطوير تلك الجمعيات ودعمها وفتح الطريق أمامها لدعم نشاطاتها التي نشأت من أجلها. إلا أن ما حصل كان معاكسا تماما، حيث انغمست بعض الجمعيات في شؤون لا تعنيها وفق تعبيره، على غرار المعارك بين النظام وأطراف سياسية أو نقابية موجودة على الساحة بغض النظر عن من هو الطرف المحق والطرف المخطئ، وبعيدا عن شخصنة المواضيع وعملية الانتقاد التي يمكن أن توجه لكافة الأطراف بما فيها الدولة ومسؤوليها، آخرها كان الخلاف المشتعل بين السلطة واتحاد الشغل، وهي معارك خاضتها المنظمة الشغيلة منذ انبثاق الدولة الوطنية، ولكن في إطار وحدود معينة لا غالب فيها ولا مغلوب.

و يواصل النائب محمد على بالقول:”كان الاعتقاد السائد أن تدخل بعض الجمعيات عرضي ومؤقت لكن الواقع أثبت العكس،” واعتبر أن منظمات المجتمع المدني لديها مبادئ إذا ما التزمت بها تكون فوق المساءلة أهلا وهي مبادئ التعددية والتشاركية والديمقراطية “إلا من ظلم نفسه” وانخرط في أعمال ضد الدولة. مُذكرا في ذات الوقت بدور المجتمع المدني ومعاضدته لمجهودات الدولة خلال فترة انتشار الكوفيد، في ظرف صعب تميز بالشح المالي وانهيار المقدرة الشرائية للمواطنين، كانت تلك الجمعيات تقديم خدماتها للمواطنين في عمل تضامني وانساني نادر الحصول رغم قلة إمكانياتها.

وعليه أكد النائب البرلماني محمد على، أن الدولة ليست بصدد محاربة الجمعيات أو التضييق عليها، بقدر سعيها لإصلاح المناخ العام المنظم لعمل تلك الجمعيات. وأن تعليق دورها وإنهاء كل الأجسام الوسيطة التي تتمتع بالصفة التعديلية هو شيء مضر للدولة خاصة في علاقتها بالتواصل مع مواطنيها، داعيا أن تكون هذه اللحظة هي لحظة تضامن و شراكة أعمق، وعلى الدولة الابتعاد عن أي خطاب إقصائي أو صدامي يكون دافعا نحو مناخ مضطرب لا يستطيع أي  طرف تحمل تكاليفه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتونس ليست بحاجة حاليا لمزيد تأزيم الوضع والدخول في معارك جانبية تؤخر إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة بل بحاجة المصالحات أكثر مبنية على أرضية وطنية وفق تصوره.

وتحدث رئيس لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان عن وجود مبادرات تشريعية داخل البرلمان في علاقة بوضعية الجمعيات، والصحفيين، وغيرها على غرار تنقيح المرسوم 54، لكن وبعد مرور سنة ونصف لازالت الأشياء تراوح مكانها في غياب الجدية المطلوبة لتمرير تلك المبادرات للتصويت عليها. محملا في ذات الوقت رئاسة الجمهورية والرئاسة الحكومة مسؤولية ذلك والتلكؤ والتسويف.

يوما بعد يوم يكتشف التونسيون عمق التآكل الذي لحق بدمقراطيتهم الناشئة، التي قضمت مبادئها ومؤسساتها الواحدة تلوى الأخرى، دون أن يحرك للمتسببين فيها جفن، إلى أن وصل الأمر إلى المنظمات والجمعيات المدنية التي اعتبرت الحلقة الأخيرة وربما الأضعف في هذه الحرب الشعواء على مقدرات الشعب الديمقراطية بتعلة فساد الأنظمة المتعاقبة السابقة ولابد من بناء نظام جديد خالي من كل ودائع المراحل المنقضية بما فيها من “أجسام وسيطة” كانت ولازالت تمثل أحد لبنات النظام الديمقراطي المتعارف عليه. لكن النظام الحالي ينفر منها ويتوجس خيفة من مواقفها خاصة الحقوقية والنضالية، فهل يكون مصير العمل الندني شبيه بالسياسي والنقابي الذي يعاني التضييق وربما الوأد النهائي كي يكون الطريق ممهدا خاليا من كل تشكيل لا ترغب السلطة في وجوده حتى ولو كان بعيدا كل البعد عن الفعل أو النفوذ السياسي.

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى