وثائقياتوطنية

” العكرمي” القاضي اللغز…الذي يجب أن يبقى صامتًا/الجزء الأول

العكرمي اعتبر أن أي قرار يتخذه نائب وكيل الجمهورية يدخل في نطاق إجتهاده المطلق ولا دخل لأي جهة في قراره بما في ذلك تقييم التفقدية العامة لسلامة القرار من عدمه

القاضي المعفى و السجين حاليا البشير العكرمي، هو من سليل عائلة فلاحية بولاية جندوبة، درس القانون بكلية الحقوق بتونس، وتخرج منها ضمن فئة المتفوقين. تواصل مساره المهني لأكثر من أربعة وثلاثين عامًا، كرس منها أكثر من سبعة وعشرين عامًا في مكافحة الجريمة، مع التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة وتولي مسؤوليات محددة في مكافحة الإرهاب والفساد المالي بين عامي 2012 و2021.

كان العكرمي من محبي التكوين المستمر و التدريب، فحضر أكثر من 50 حلقة تدريب وطنية و دولية، جميعها مركزة على مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال والفساد المالي، على مدى العشر سنوات الماضية. وكانت له شرف المشاركة في عدة منتديات شملت المعاهد العليا للمحامين و القضاة، في تونس وخارجها، شملت أيضاكلا من إيطاليا ومالطا وفرنسا وبلجيكا.

وفي الفترة التي أعقبت ثورة 2011 وبحكم اختصاصه، تولى العكرمي منصب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، وكان البلاد الخارجة من أتون ثورة شعبية جارفة بدأت خيوط المؤامرة تحاك ضد نهجها التحرري وبدأت عمليات اغتيال سياسي لم تشهدها البلاد منذ زمن، و ذهب ضحية العمليات الارهابية سياسيين بارزين مما كان يعرف سابقا بالجبهة الشعبية التى اندثرت لاحقا و تشرذمت أحزابها، و خلال مباشرة القاضي البشير العكرمي لقضية اغتيال بلعيد و البراهمي أصبحت هناك مناوشات و اتهامات له من قبل هيئة الدقاع عن الشهيدين بالتقصير والاهمال المتعمد.

و بدفع من هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والتي استندت لتقرير صدر عن تفقدية وزارة العدل في شهر فيفري 2021، أصدر المجلس الأعلى للقضاء قرارا بتوقيف القاضي بشير العكرمي عن العمل وإحالة ملفه إلى النيابة العامة كوكيل جمهورية.وقد ضم تقرير هيئة الدفاع عن الشهيدين، شبهات ضد العكرمي الذي تعتبره بعض الأطراف محسوبا على حركة النهضة “بالتورط” في التستر على قضايا لها علاقة بالإرهاب وإهمال العديد من الأدلة في ملفات اغتيال بلعيد والبراهمي. وصولا إلى اتخاذ قرار قضائي بتاريخ 01 جوان 2022 بعزله نهائيا من العمل القضائي، ليقع بعدها توقيفه و إيداعه السجن في مارس 2023.

وقد ساهمت التهم الموجهة للقاضي العكرمي، في قضية اغتيال الشهدين و اختفاء وثائق و دور الجهاز السري في الأحداث وفق رواية هيئة الدفاع، إلى تثبيت سردية مسار 25 جويلية واستعمالها مطية للركوب على الأحداث،  وتقديم البشير العكرمي كبش فداء لعنوان مرحلة كبيرة من المحاسبة وجرد شامل لمخلفات عهدة زمنية كاملة بجميع مشمولاتها الاقتصادية والقضائية والسياسية لترسيخ منظومة 25 جويلية 2021 و غرس قدميها في وعاء السلطة وافتكاك جميع الصلاحيات ليبدأ معها عهد جديد من الفرز على الانتماء مع أو ضد المنظومة الجديدة بكل توحشها و غطرستها.

وفي هذا السياق تحصلت توميديا على وثيقة، هي عبارة عن رد القاضي بشير العكرمي، على محضر بحث أجراه المتفقد العام بخصوص ملفات قضيتي الجهاز السري و سرقة وثائق تخص قضية اغتيال المرحوم شكري بلعيد والمرحوم محمد البراهمي.

 

 وقد عبر فيها القاضي المعفى والسجين الحالي،عن استغرابه، بخصوص بعض القضايا و التهم الصادرة بحقه، فيما يخص الجهاز السري لحركة النهضة و سرقة عدد من الوثائق تفيد مجريات التحقيق والبحث في القضية، من محتويات و قرارات البحث، وفقدانه للصفة القانونية والمشروعية باعتبار أن من قام به (اي البحث) أنه لايمتلك لا الصفة ولا الحق القانوني في إجرائه لأنه من “الصلاحيات المطلقة للنيابة العمومية ولا دخل له فيه مطلقا” وفق تقدير العكرمي. باعتباره شغل منصب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس.

دوري كوكيل جمهورية هو الإشراف على المحكمة الإبتدائية بتونس وليس دراسة المحاضر

البشير العكرمي، القاضي المعزول بأمر رئاسي في 1 جوان 2022، نفى في رده أثناء سؤاله من قبل تفقدية وزارة العدل، توليه مباشرة أي عمل قضائي بخصوصها بإعتبار أن دوره كوكيل جمهورية هو الإشراف على المحكمة الإبتدائية بتونس وليس دراسة المحاصر وإتخاذ قرار قضائي بخصوصها حفظا أو إحالة أو فتح بحث تحقيقي. وفق نص الوثيقة. و رغم اعتراف العكرمي بأنه يتحاور مع زملائه من المساعدين الأول والمساعدين ونائبي وكيل الجمهورية بخصوصها، دون أن يفرض أو يملي أي قرار بالحفظ أو الإحالة بإعتبار أن المسؤولية شخصية تكون على عاتق المشرف عليها. وفق تعبيره.

وقد أكد العكرمي في هذا السياق، أن من أجرى كافة الأعمال القضائية هم المساعدون الأول لوكيل الجهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والذين يقع تسميتهم عادة من طرف مجلس القضاء العدلي دون التدخل في القرار القضائي المتخذ من طرفهم القاضي بالتخلي لفائدة المحكمة الإبتدائية بتونس الإنعدام الصبغة الإرهابية.

تسليم ملفات القضيتين للجهات المختصة

العكرمي قال إنه قام بتسليم تلك المحاضر لنائب وكيل الجمهورية في ذلك الوقت. الذي تولى بنفسه فتح بحث تحقيقي، دون التدخل منه مطلقا في قراراته، مؤكدا أنه هو المسؤول عنها قانونا، موضحا أن أي قرار يتخذه نائب وكيل الجمهورية يدخل في نطاق إجتهاده المطلق ولا دخل لأي جهة في قراره بما في ذلك التفقدية العامة التي ليس لها الحق إطلاقا بتقييم سلامة القرار من عدمه.

انتقادات موجهة للتفقدية العامة بتدخلها في القضاء ومسار التحقيق 

في سياق متصل، رأى القاضي المسجون، بأن التفقدية العامة بوزارة العدل ليست جهة الاختصاص في التحقيق، وأن المتفقد العام لم يرتب أي أثر لهذا العمل القضائي السليم، في إشارة إلى أنه لم يكن ملما بكافة تفاصيل القضيتين بدليل أنه لم يتم سماع المساعدين الأُول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بخصوص هذا الموضوع ولا نائب وكيل الجمهورية، بخصوص هذا الموضوع، وفق تقدير العكرمي، وعليه تمسك الأخير بضرورة سماعهم للإنارة الرأي العام.

كما انتقد العكرمي بشدة، التدخل الصارخ للمتفقد العام، في تقييم أعمال النيابة العمومية، معتبرا ذلك خارج اختصاصات بل استيلاء على اختصاصات غيره، كما بين القاضي السجين البشير العكرمي أن الجهات القضائية هي المعنية بتقييم هذا العمل وخاصة أن الملف موجود اليوم لدى قضاة التحقيق وبإمكانهم توجيه الاتهام ضد أي شخص يرون أنه ارتكب أفعالا إجرامية، كما يمكن للنيابة العمومية بدورها توجيه طلبات القاضي التحقيق قصد توجيه الاتهام لأي شخص ارتأى لها أنه ارتكب جرائم.

كما حملت الوثيقة تأكيدات من العكرمي، تؤكد يقينه التام من عدم اطلاع المتفقد العام على الملف الذي يخصه، باعتباره من أعقد الملفات القضائية، مشيرا أن كل الشكايات المقدمة ضده هي من أحزاب سياسية بامتياز وليست من جهات قضائية شككت في نزاهته أو تملك أدلة على مخالفته للمهنية.

وقتها طالب البشير العكرمي بسماع كافة مساعدين الأول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، ومكافحتهم له بخصوص إملاء عليهم أي قرار أو تدخله في قراراتهم القضائية، أو إذا ما تولي اتخاذ قرارات قضائية في الملفين المذكورين بخصوص الجهاز السري و سرقة وثائق قانونية، والتحري مع نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، بخصوص تدخله في القرارات المتحدة من طرفه في القضيتين المذكورتين. بخصوص الإخلالات التي شابتهما وفق تقييم محاضر التفقدية العامة بوصف العكرمي وكيلا للجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس في حينه.

تهاطل الشكايات المتهمة إياه بالنقصير وحتى النواطؤ

يذكر أن رد العكرمي على محاضر المتفقد العام جاءت في إطار بحث قامت به التفقدية العامة بوزارة العدل حيث توصل المتفقد العام إلى أن الشكابات المقدمة في ما أصطلح على تسميته بالجهاز السري شملت عدد 26 مشتكي به في حين أن قرار فتح البحث شمل عدد 16 منهما فقط في القضية التحقيقية عدد 29/49482 الواقع استجلابها إلى المحكمة الإبتدائية بأريانة في القضية التحقيقية عدد 2/24270. بينما كانت الشكايات المقدمة في سرقة وثائق شملت عدد 09 مشتكى بهم في حين أن قرار فتح البحث كان ضد كل من سيكشف عنه البحث في القضية التحقيقية عدد 32/48886 الواقع استجلابها إلى المحكمة الإبتدائية بأريانة في القضية التحقيقية عدد 2/24269. وهو الأمر الذي رفضه القاضي السجين البشير العكرمي و اعتبره تحقيق من شخص غير ذي صفة و أنه من المفروض أن يكون من اختصاص النيابة العمومية.

توقيف العكرمي.. الخلفية القانونية والإخراس المستمر

وكان القاضي المعفى و السجين الحالي البشير العكرمي قد تم توقيفه في 12 فيفري 2023، بتهم ارتكاب إخلالات في المسار القضائي الملفي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي عندما كان يشغل خطة وكيل جمهورية المحكمة الابتدائية بتونس.

 وفي 17 من فيفري أي في ذات الشهر الذي تم إيقافه فيه ، قررت النيابة العمومية، إطلاق سراحه. إلا أنها اتخذت أيضًا قرارًا يقضي بالإيواء الوجوبي بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية الرازي، بناء على تقرير صادر عن لجنة طبيّة مختصّة، وقد صرّحت النيابة العمومية أنّ مردّ ذلك القرار أزمة نفسية حادّة ألمّت بالمنوّب”، وفق ما أفادت به هيئة الدفاع.

وفي يوم 24 فيفري 2023، أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب من جديد بالاحتفاظ بالبشير العكرمي. وفي 10 مارس/آذار 2023 صدرت بطاقة إيداع بالسجن في حقّه.

وقد ذكرت عائلة القاضي العكرمي، في تصريحات إعلامية سابقة، أنه تعرض للتعذيب الشديد، “حيث لم يكتف الاعتداء بنقله برأسه مدفوناً داخل الشاحنة المعروفة بـ”شاحنة التعذيب”، بل تم إجباره بعد ذلك على البقاء في غرفة فارغة خلال شهر فيفري في طقس شديد البرودة لمدة 26 ساعة دون وصول إلى محاميه أو ماء أو طعام”، وفق تصريحات أفراد من عائلة العكرمي.

أحكام في قضية بلعيد تنصف العكرمي في محبسه

في سياق متصل أصدرت هيئة الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الارهاب بمحكمة الاستئناف بالعاصمة، أمس الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، احكاما في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد التي شمل التتبع فيها 24 متهما

وتراوحت الاحكام الصادرة، بين السجن لمدة 4 اعوام والسجن بقية العمر بالنسبة لـ4 متهمين والاعدام بالنسبة لمتهمين اثنين في هذه القضية التي تعود اطوارها الى السادس من فيفري 2013. واضاف ذات المصدر في تصريح لوكالة (وات) ان الدائرة قضت ايضا بالمراقبة الادارية على المتهمين لفترات تتراوح بين ثلاثة وخمسة سنوات.

وصدرت الاحكام الابتدائية في هذه القضية في 27 مارس 2024 و تراوحت بين الإعدام في حق 4 متهمين والسجن بقية العمر في حق متهمين اثنين آخرين. كما قضي بعقوبات سجنية في حق عدد من المتهمين في القضية تراوحت بين عامين و120 عاما سجنا.

وهي ذات الأحكام التى أصدرها القاضي السجين البشير العكرمي، وهي ما عتبرت انتصار لنزاهته و مهنيته و نفيا مثبتا لبراءته من التهم المنسوبة إليه، وذات الاحكام اعتبرتها حركة النهضة المعارضة وهي الطرف السياسي المتهم بارتكاب عملية الاغتيال اعتبرتها أيضا انتصارا لها و براءة لها من كل التهم و التلفيقات التى حاولت بعض الأراف السياسية المنافسة لها ممن وصفتهم بـ”القوى الاستئصالية”، استغلالها سياسيا و قضائيا.

“النهضة” تعتبر الأحكام انتصار لها و براءة لرئيسها

وفي هذا الاطار،رحّبت الحركة بالأحكام الصادرة، معتبرةً إياها صك براءة لها ولرئيسها راشد الغنوشي من أي صلة بالحادثة التي هزّت الرأي العام التونسي في عام 2013.

و اعتبرت النهضة أن صدور هذه الأحكام بعد أكثر من 12 سنة من “الترويج لاتهامات باطلة ومتجنية” يمثل تأكيدًا على “بطلان ما وُجه للحركة ورئيسها من اتهامات زائفة”، مشيرة إلى أن لائحة الأحكام النهائية “خلت تمامًا من أي إدانة مباشرة أو غير مباشرة لأي من منتسبي الحركة”.
واعتبرت حركة النهضة المعارضة أن التأخير الكبير في إصدار الأحكام، لم يكن بسبب القضاء، بل نتيجة ما وصفته بـ”إصرار ممثلي القائمين بالحق الشخصي على إطالة أمد التقاضي من خلال طلبات التأخير المتكررة والغيابات”، معتبرة أن الهدف من ذلك لم يكن الوصول إلى الحقيقة، بل “محاولة النيل من خصم سياسي لم يستطيعوا مواجهته ديمقراطيًا”.

 

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى