بورتريه

بورتريه/العجمي الوريمي .. سجين كل الأزمنة الاستبدادية

قراءة في مسيرة القيادي في حركة النهضة عجمي الوريمي من النضال و البروز السياسي إلى غياهب السجن

لم يكن أحد ليتصور أن يكون الأمين العام لحزب حركة النهضة المعارض، العجمي الوريمي، وهو المعروف بهدوئه واتزانه اللغوي، وعدم إثارته للجدل، سواء في الخطابات العامة أو أمام عدسات الكاميرات، أن يكون هدفا لقوات الأمن، حين تم الإعلان عن إيقافه مع شخصين من القيادات الشابة للحركة، يوم 13 جويلية 2024، بجهة برج العامري بضواحي العاصمة، دون إذن قضائي أو إتهام مسبق وفق ما ذكرته حركة النهضة في بيانها، مُضيفة، أن أمينها العام في ذلك الحين حين طُلب منه الاستظهار بهويته والتثبت منها من قبل أعوان الحرس الوطني حيث تبين لهم أنه ليس محل تتبع أو تفتيش من أي جهة قضائية، ورغم ذلك وقع اقتياده إلى السجن.

من هو عجمي الوريمي؟

 ولد الوريمي بمنطقة شط مريم بمعتمدية سيدي بوعلي من ولاية سوسة، في 8 من جانفي سنة 1962، حيث درس المرحلة الإبتدائية والثانوية بالجهة، ليلتحق سنة 1981 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس، حيث درس الفلسفة ونتيجة لنشاطه الطلابي والسياسي المعارض تمت ملاحقته و محاكمته بين سنة 1984 و 1985 ليتم فصله من الجامعة التونسية،  ليلتحق على إثرها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أين تحصل على شهادة الإجازة في الفلسفة بتقدير جيد جدا. 

في سنة 2007 وبعد مكوثه لمدة 16 سنة ونصف وراء القضبان، خرج العجمي الوريمي ليواصل دراساته الفلسفية وتحصل على درجة الماجيستير من كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس. وتمكن من أن ينجح بتفوق حيث كان الأول على دفعته. وقد عمل أستاذا للفلسفة بالمعاهد التونسية.

حياته الأسرية:

بحسب ما ذكرته زوجة الناشط السياسي السجين، والقيادي بحركة النهضة العجمي الوريمي، فقد تزوج الأخير سنة 2009، بعد تعرفه على زوجته خلال دراسة الجامعية و تحضيره لرسالة الماجستير، وله حاليا ابنتان هما نور ويسر، كما أنه ربى إبنة زوجته من زواجها الأول، واعتبرها إبنته الثالثة،  فقد كان الوريمي أبا عطوفا وحنونا على الكل، كما ذكرت الزوجة. 

 

الوريمي، النشاط الطلابي والسياسي قبل ثورة 2011:

انخرط العجمي الوريمي مبكرا في صفوف حركة الاتجاه الإسلامي في بداية الثمانينات. وانطلق نشاطه الطلابي والسياسي في تلك الفترة واستطاع رفقة مجموعة من طلبة الاتجاه الإسلامي كان على رأسهم الوزيران السابقان عبد الكريم الهاروني وعبد اللطيف المكي وثلة من الطلبة المستقلين من تأسيس الاتحاد العام التونسي للطلبة،.بين سنتي 1984 و 1985.

يعتبر الوريمي و زملائه في الحركة الطلابية من الجيل الثاني من القيادات التاريخية لحركة الإتجاه الإسلامي (التي تحولت لحركة النهضة لاحقا) أي الجيل المؤسس. ولتكون المنظمة الطلابية الجديدة الإتحاد العام لطلبة تونس هو المنافس الشرس للإتحاد العام لطلبة تونس، الذي سيطرت عليه قيادات يسارية  يوصف بعضها بالمتطرف حيث عملت على منع الإسلاميين من دخوله.

 

بعد استكمال مسيرته الدراسية بالمغرب، عاد الوريمي إلى تونس سنة 1988 ليواصل مشواره السياسي ودوره القيادي الجامعي، باعتباره جزء من حركة الاتجاه الإسلامي آنذاك. حيث انتخب رئيسا للمكتب السياسي للحركة وناطقا رسميا باسمها، في الأثناء مارس مهاما موازية حيث أصبح المسؤول عن تحرير جريدة “الحدث الطلابي”الأسبوعية التابعة للجناح الجامعي والطلابي للحركة ، ومع صدور “جريدة الفجر” سنة 1990، التحق العجمي الوريمي بهيئة تحريرها، ليصبح  مسؤولا عن القسم الجامعي الشبابي والشؤون الدولية بها. وتوصف تلك الفترة الزمنية بأنها ذروة الصراع بين حركة النهضة ونظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي حكم تونس بين 1987 و 2011.

انتدب الوريمي في فيفري 1991، لعضوية المكتب السياسي لحركة النهضة. ثم رئيسا لمكتبها السياسي بعد اعتقال القياديين البارزين في الحركة آنذاك على العريض القابع حاليا في السجن وحمادي الجبالي رئيس أول حكومة منتخبة بعد الثورة. لكن الرياح لا تجري كما تشتهي السفن، إذ لم يمر شهر واحد على توليه رئاسة المكتب السياسي للحركة حتى تم القبض عليه ومحاكمته في مارس 1991 ومورس عليه تعذيب وحشي شديد مع عدد من السجناء الإسلاميين و لم يسمح لهم بالعلاج. وفي جويلية ،1992 حوكم أمام القضاء العسكري مع مجموعة من قيادات حركة النهضة وصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة. قضى منها 16 سنة و نصف ثم وقع الإفراج عنه في جويلية سنة 2007.

إثر ثورة 2011.. البروز الأكبر على الساحة السياسية

بعد انتصار الثورة وفرار الطاغية بن علي، شغل العجمي الوريمي مناصب عديدة صلب قيادة حركة النهضة،

* فكان نائب رئيس الحركة 

* ومسؤول مركب الثقافة والتعليم والشباب

* عضو المكتب التنفيذي مسؤول عن مكتب الإعلام والإتصال

* بين 1014 و2019 شغل عضو بمجلس النواب عن كتلة حركة النهضة النيابية.

 وفي أكتوبر 2023 وبعد سجن الرئيس المؤسس لحركة النهضة راشد الغنوشي بتهم إرهابية من قبل السلطة الحاكمة، ثم سجن رئيس الحركة  المؤقت منذر الونيسي بتهمة التآمر على أمن الدولة، انتخب العجمي الوريمي أمينا عاما للحركة في أكتوبر 2023 ، ليلتحق بالأمناء العامين للحركة المسجونين ويلقى القبض عليه يوم 13 جويلية 2024 و يزج به في السجن دون جريمة وفق ما صرحت به هيئة الدفاع عن الوريمي تصريح لتوميديا،.

 

اعتبر العجمي الوريمي من اقرب القيادت لمؤسس الركة الشيخ راشد الغنوشي تفكيرا وانتهاج البراغماتية السياسية في التعامل مع أي قضية أو أزمة سياسية، وقد جمعتهما مسيرة النضال و السجون و العمل السياسي رغم اختلاف المراحل العمرية.

بعد فرض الإجراءات الإستثنائية يوم 25 جويلية 2021، من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، والتي اعتبرتها حركة النهضة المعارضة و معها طيف سياسي و ننقابي و جمعيتي واسع انقلاب سياسي واضح على المسار الديمقراطي و تكريس مفضوح للاستبداد و حكم الفرد الواحد، بدأ عجمي الوريمي ينشط على المستوى السياسي و الإعلامي و الميداني و كان مشارك بارز في الوقفات التي نظمها في البدء تجمع مواطنون ضد الانقلاب ثم جبهة الخلاص الوطني المعارضة لاحقا.

العجمي.. رجل فكر و سياسية: 

يصنف السياسي العجمي الوريمي ضمن دائرة الحمائم داخل حركة النهضة بالنظر إلى ميله لنهج التواصل والحوار مع مختلف التيارات السياسية بما فيهم الخصوص الألداء للحركة، كما أنه يعتبر من أنصار مبدأ التفاوض مع السلطة و تجنب أي صدام معها. 

ويصف كل المقربين منه بأنه يمتلك قدرة عجيبة في كيفية التعامل مع كل إنسان بما فيهم خصومه الألداء معاملة من يتعامل مع العقلاء وأخلاقية عالية، قل نظيرها لدى سياسيين بارزين، وفي هذا الصدد يقول صديقه الباحث والكاتب الصحفي والناشط المدني أحمد عبيد النبي أن العجمي الوريمي كان خلال لقاءاته مع ضيوفه بمختلف مشاربهم، يحرص “على الجمع بين تقدير الكلام، والانتباه لأفكارهم، دون أن يخالط ذلك مما يسود بين البشر عامة من آراء مسبقة أو استخفاف أو غير ذلك”. 

 

ويضيف عبد النبي في مقال نشره بتاريخ 15 سبتمبر 2024، أن الوريمي لا “يتخلى عن الكتابة الفكرية .. رغم انشغاله أكثر بالكتابة حول السياسة. ومما قرأته له مؤلف: “إصلاح السياسة” إذ كان مهتما بالتفكير في الموضوع من الجهة العامة وأساسا من جهة إصلاح السياسة في إطارها الوطني والعربي والإسلامي”،  وكان دائما” يحاول أن ينحت من قراءاته ومن تجربته مقاربة ناهضة لواقع بقدر ما يحمل من إيجابيات فإن به مطبات تحتاج تسوية. ولأن إصلاح السياسة لا يمكن أن ينجز بدون سياسيين فقد أردف لها lمؤلف “إصلاح الساسة”. لأنه كان يرى أن تجديد الرؤية وتجديد رجالها مسألة حيوية وضرورية.

 

تمر اليوم سنة و شهرين و نصف الشهر تقريبا – أي ما يعادل حوالي 450 يوما- و العجمي الوريمي المناضل و القيادي والمثقف وراء القضبان، دون توجيه تهمة محددة له، في إيقاف تحفظي وفي ملف فارغ لا شيء فيه إلا ما يشين القضاء والقانون وخصومه السياسيين و الايديولوجيين،  وفق بيانات حركة النهضة و جبهة الخلاص الوطني المعارضتان، واللتان نددتا بإيقافه، لكن رفقاء الكفاح و زملاء الزنازين يقولون أن السجن لم يكن غريبا عن العجمي فقد لبث فيه سنين مددا و كان يحصيهم و يعدهم عدا، ولم يكن الظلم والعسف والإقصاء بعيدا عنه منذ أن قرر أن لا يساوم على حريته وكرامته وعقيدته. وفق تعبيرهم.

كاتب

طارق طرابلسي

صحفي متخرج من معهد الصحافة وعلوم الاخبار متخصص في الشؤون السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى