
نشر الكاتب الصحفي عامر بوعزة, اليوم الجمعة 22 أوت 2025, مقال له على صفحته الخاصة على موقع فايسبوك تحدث فيها بإطناب عن عينة من الإعلاميين الانتهازيين الذين يشرعون لمهادنة أي نظام سياسي وشن هجوما لازعا على الإعلاميين الذين طبعوا مرحلة الدكتاتورية قبل 2011 ثم عادوا الآن ليتزعموا المرحلة الحالية و يصبحوا قادة رأي عام , فاعتبرها مهزلة خاصة أن مهمة الإعلامي الحقيقي إيصال المعلومة للمتلقي وشرحها له من مصادرها الرسمية.
وقد استذكر بوعزة في هذا الصدد بعض الوجوه الإعلامية المغيبة قسرا على غرار الإعلامي برهان بسيس و الإعلامية سنية الدهماني و الصحفي مراد الزغيدي بالسجن, و ابعاد محمد بوغلاب عن المشهد الإعلامي, وهذه النخب كانت تتوعم وفق تعبيره عملية أنارت الرأي العام , بخصوص عدة قضايا مطروحة على الساحة الوطنية والمحلية, على غرار هدم نزل البحيرة ذو الهندسة الفريدة و التصحير الإعلامي و غيرها من القضايا الساخنة وقد اختار عنوانا لمقاله “ضحكة المساجين”.
وفي ما يلي مقال الصحفي عامر بوعزة:
****
قرأت حوارا بين صديقين حول نزل البحيرة. أبدى الأول أسفه على التغيير الكبير الذي سيطال مشهد العاصمة بزوال هذا المعلم الهندسي الشهير، فطمأنه الثاني بأنه لن يهدم. هذه عينة صغيرة عن حالة (المهموتة) التي أضحينا نتخبط فيها، فالتكهنات والتخمينات والآراء المتضاربة حلت محل المعلومة الدقيقة الواضحة، والجمهور الذي يعتبر الفايسبوك مصدرا آمنا للخبر لم يعد يهمه إن كان ما يصله منه صحيحا أم لا، المهم أن يكون مثيرا، أما وسائل الإعلام فقد عادت بعد انتهاء الفسحة إلى المربع الآمن، تناقش المهرجانات الصيفية وتبيع مواد ترطيب البشرة وتلميع وجه النظام.
منذ حوالي سنتين، ومن مقال في جريدة لابراس تحولت أكشاك كورنيش المنستير مثل كرة ثلج إلى قضية رأي عام انتهت بصدور قرار إزالتها رغم استماتة الوالي في الدفاع عنها. كانت تلك عينة نموذجية بسيطة عما ينبغي أن يكون عليه الإعلام الحر والمسؤول الذي يضع نصب عينيه حق المواطن في المعلومة قبل أي شيء، أكشاك بسيطة في شارع الكورنيش كان يمكن أن تشوه وجه الرباط التاريخي لولا يقظة الإعلام، أما فندق البحيرة فلا يعرف أحد حتى الساعة إن كان سيبقى أم سيزول!
غضب منا الكثير من (أهل الاختصاص) حين اعتبرنا آنذاك برهان بسيس ومن معه أفضل من يمارس مهنة الإعلام، فهو الأذكى، ومحمد بوغلاب وسنية الدهماني الأكثر جرأة وشجاعة و(رجولية)، أما مراد الزغيدي فكان بارعا في المشي على القوارير المكسورة دون أن تنزل منه قطرة دم واحدة! ولم يشفع له ذلك! وإنني أتخيلهم بيننا وأتخيل ما كان يمكن لهم أن يفعلوه حول فندق البحيرة من أجل أن يصل الخبر دقيقا واضحا وبلا مواربة إلى المواطن الذي يسمعهم، لكنهم الآن في السجن (باستثناء بوغلاب) والإعلام مستلق على أريكة الصمت واللامبالاة في انتظار رصاصة الرحمة.
يعتبر الكثير من مناصري الاستبداد الإعلام مسؤولا عن الانفلات السياسي قبل 25 جويلية، والحال أنه كانت له صولات وجولات كبيرة وحاسمة، لكن (شعبنا نسّاي) كما قال الأبنودي في (ضحكة المساجين)، فالكثير من القضايا التي هزت الرأي العام انطلقت من برامج التحقيقات والتقارير الاستقصائية، وهناك حوارات صحفية أسقطت حكومات، أما اليوم فلم تبق إلا بعض الأعمال الاستقصائية الأصلية والرائعة في المنصات المختصة لكن جمهورها قليل في زمن السهولة والخمول فيما العاملون في الإعلام الرسمي شعارهم:( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون).
الوصوليون والانتهازيون والسفلة الذين نعرفهم جيدا، انطلت حيلتهم في 2011 عندما تقدموا الصفوف رافعين شعار (كلنا ضحايا كلنا مجرمون)، فصدّق الجميع أن خدمة النظام كانت مفروضة عليهم فرضا، وأنهم كانوا مجبرين على لعق الأحذية، وأن عبد الوهاب عبد الله -كما كانوا يزعمون- اغتصبهم واحدا واحدا في مطبخ النظام ومراحيض التجمع. كنا نعرف أنهم كاذبون، هم أنفسهم كانوا يعرفون، لم يكونوا في حاجة إلى الانحناء حتى تمر العاصفة فظهورهم محنية يركبها من يشاء، وبفضل تلك الكذبة وروح التسامح التي طبعت المرحلة وحماقة (الكتاب الأسود) التي ارتكبها المنصف المرزوقي أصبح جواسيس وكالة الاتصال الخارجي قادة رأي، وصبّابة التجمع مسؤولين من الدرجة الأولى في خدمة الديمقراطية، وغلمان بلحسن الطرابلسي مؤثرين وصناع محتوى وأصحاب قرار.
اليوم إذ يعيد التاريخ نفسه في شكل ملهاة علينا أن نعيد قراءة ما حدث في تلك المرحلة بدقة وأن نتذكر ذلك المشهد الرهيب في فيلم (الجوكر) عندما رفع المهرج آرثر مسدسه في وجه المنشط التلفزي (مواري) وأرداه قتيلا أمام الجمهور. كانت الثورة في تلك الأثناء تجتاح الشوارع..