الأخباررأي

بوعزة: وسائل التواصل الإجتماعي هي وقود الصراعات في الأزمات منذ 2011 لاسيما في الأزمة الراهنة بين الرئاسة والاتحاد

القرار السياسي رفيع المستوى في تونس يستند اليوم إلى خاصيتين يتّسم بهما مجتمعُنا الراهن هما "الوعي القطيعي لدى العامة وتشرذم النخب"

نشر الصحفي عامر بوعزة, اليوم السبت 16 أوت 2025, مقال له على صفحته الخاصة بعنوان” في عين العاصفة” تناول فيه استتباعات الخلاف الحاصل بين رئاسة الجمهورية و الحكومة من جهة و الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى, أو ما يعرف إعلاميا بمعركة كسر العظم بين الرئاسة و المنظمة الشغيلة و السبل التى تسلكها كل جهة لتحقيق الانتصار على حساب الجهة الأخرى, و ماهية الأهداف التى يسعى كل طرف لتحقيقها على حساب الآخر.
وفي ما يلي مقال الصحفي عامر بوعزة التى نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”:
في لقائه يوم الجمعة 15 أوت مع رئيسة الحكومة أكد رئيس الجمهورية أنه «لا مجال لأن يحلّ أحد محلّ الدّولة لا في الانخراط غير الإرادي ولا في التمويل غير الطوعي»، وهذه العبارة تنبئ بأن الحكومة تلقت الضوء الأخضر لإلغاء آلية الاقتطاع المباشر من الأجور لفائدة الاتحاد العام التونسي للشغل، إنها مسألة وقت لا غير، وقد جاء ذلك بعد أيام قليلة من الإعلان عن إلغاء التفرغ النقابي، الذي جاء أيضا بعد هجمة أنصار المسار على مقر الاتحاد ونفي الرئيس نفسه أن تكون لدى هؤلاء نية لاقتحامه. ويؤكد تتالي الأحداث على هذا النحو أن لدى الرئاسة حزمة من القرارات التي تخص مستقبل الاتحاد هي بصدد تصريفها بالتقسيط المريح!
عندما أعلنت الحكومة عن إلغاء آلية التفرغ النقابي، شهدت صفحات التواصل الاجتماعي وهي حاليا المحرار الأكثر أهمية للرأي العام حملة «شماتة» واسعة استخدمت فيها كل وسائل التنمر ضد الاتحاد العام التونسي للشغل، وتجند الجميع طوعيا لتوسيع نطاق الأزمة الحالية والتذكير بسلسلة الأزمات السابقة التي عانت منها مختلف الحكومات منذ 2011، وقدموا للرئاسة الخدمة الثمينة التي تنتظرها لإطلاق الرصاصة الثانية: شيطنة اتحاد الشغل وإلحاقه رسميا في قائمة الأطراف التي خيبت أمل الجماهير العريضة في ثورتها على الظلم والحيف والاستبداد. ومما زاد الطين بلة أن النقابيين أنفسهم اقتصر رد فعلهم على التذكير بأن القرار اتخذ من قبل وأن المشمولين بالتفرغ لا يتجاوز عددهم بضعة أنفار، ولم ينتبهوا إلى ما وراء هذا التذكير أو ربما هم يتظاهرون بذلك.
السيناريو نفسه عشناه قبيل حل الحكومة وتجميد البرلمان يوم 25 جويلية 2021، بدأ الأمر بتسريب إشاعات مدروسة جعلت الفصل 80 من الدستور مطلبا شعبيا في الفايسبوك، وتحركت بعض «الجماهير» في الشارع لتصب نقمتها على حركة «النهضة» وتحملها مطلق المسؤولية على العطالة السياسية والتنموية في البلاد والوضع الكارثي الذي آلت إليه الأمور. وهذا ما جعل تلك القرارات محل ترحيب شعبي عفوي واسع النطاق ليلة صدروها، فيما لم تفهم الأحزاب السياسية لحظتئذ أن النهضة ليست إلا الهدف رقم واحد وأن المشروع السياسي البديل لا مكان فيه للأحزاب وأنه عليها أن تضمحل من تلقاء نفسها.
القرار السياسي رفيع المستوى في تونس يستند اليوم إلى خاصيتين اثنتين يتّسم بهما مجتمعُنا الراهن: الوعي القطيعي لدى العامة وتشرذم النخب. فمع تغييب البرامج السياسية الجدلية من المشهد الإعلامي ازدادت عزلة العائلات الأيديولوجية المعارضة للمسار وعزلت تماما عن السياق العام تحت طائلة التتبع القضائي والخلط المتعمد بين المعارضة المشروعة «والتآمر على أمن الدولة»، وعلى الرغم من أن النظام يعامل جميع معارضيه بنفس الطريقة فإن الأحزاب لم تتمكن من التقدم جبهة واحدة في مواجهته ولن تتمكن بالنظر إلى عمق الانقسامات التي تشقها.
أما ردود الفعل الجماهيرية فتفتقر إلى العمق الضروري الذي يجعلها تميز بين الثابت والمتحول، فلا أحد في غمرة «الاحتفالات» بقرارات الرئاسة ينتبه إلى أن الانخراط الطوعي في شيطنة النقابات والأحزاب والجمعيات بدعم من خوارزميات غامضة يعني أيضا الانخراط التلقائي في مناهضة التعددية وإلغاء الديمقراطية نهائيا ومباركة الاستبداد. وتلك هي عين العاصفة!

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى