
اعتبر الوزير الأسبق و الناشط السياسي فوزي عبد الرحمان, أن فكرة الدولة كتنظيم للإعتناء و تنظيم الشأن العام فكرة قديمة في تونس, مضيفا بأنه مهما كان توصيفنا لطبيعتها أو أدائها و عقيدتها فإن الفكرة بمرور الوقت أصبحت مستبطنة لدى أفراد الشعب بالرغم من رواسب قبلية و عشائرية و جهوية لا تزال تصقل شخصية التونسي. معبرا أن تلك خاصية إيجابية لدى التونسيين مقارنة بالشعوب المحيطة.
و أشار عبد الرحمان في تدوينة نشرها اليوم الثلاثاء 05 أوت 2025, على صفحته الخاصة على موقع فايسبوك, إلى أن ثورة 2011، لم تكن ضد الدولة (راجع كتاب عادل اللطيفي), و لكنها كانت ثورة إجتماعية لإختلال هيكلي في خلق و توزيع الثروة.
و بين فوزي عبد الرحمان أنه عندما تصاحب فكرة الدولة بالجهل متعدد الجوانب المتفشي في المجتمع ينتج خلط في المفاهيم مما يؤدي إلى أخطاء في التقييم و السلوك. و من أهمها فكرة أن الدولة هي السلطة الحاكمة و في إختزال رهيب أن الدولة هي رئيس الدولة. مؤكدا أن الرؤساء السابقين للجمهورية, بورقيبة و بن علي غرسا قولا و ممارسة فكرة أن الدولة و رئيسها هما واحد لا فرق بينهما.
وأضاف الوزير الأسبق أن رئيس الجمهورية قيس سعيد، متشبع ثقافيا بهذه الثقافة و لديه حنين شديد لحكم و سلطة ما قبل الثورة و هو يعتبر أنه هو الدولة و أنه هو الشعب، هو ليس وجه الشعب فقط و إنما هو الشعب بذاته. كما جزم عبد الرحمان بأن سعيد وقع في خلط ثاني خطير, هو إعتبار السلطة و الدولة شيئا واحدا وتبعا لذلك فمعارضة السلطة هي معارضة الدولة و هذا غير مقبول لأنه لن يكون إلا فكرا خائنا تخريبيا.
و ذكر الوزير الأسبق فوزي عبد الرحمان بأن فترة الإنتقال الديمقراطي و عشرية الحرية كانت الفترة الوحيدة (بكل أخطائها) وفق تعبيره, التي لم يكن فيها رئيس الدولة هو الدولة و إنما ممثلها كما يجب أن يكون. و لكن الشعب في عمومه لم يفهم و لم يقبل ذلك .. فهو يريد حاكما واحدا يمثل الحكم و يمثل الدولة بل و يختزل الدولة كما إعتاد على ذلك. و هذا ما جاء به قيس سعيد في 25 جويلية و خاصة في سبتمبر 2021 بمرسومه الشهير. وفق نص التدوينة.
وأوضح عبد الرحمان أنه شخصيا لا يعتقد أن الشعب التونسي يقبل دستورا كتبه شخص بمفرده مهما كان هذا الشخص و لكن عملية القبول وقعت بتدرج كعملية تخدير جماعية صاحبها خطاب مؤامرات و تخوين و تقسيم و خوف و حقد سمح بكل ما نعيشه اليوم. مشيرا إلى أن من يتابع حديث الشارع سيجد فكرة رئيسية و هي أن الرئيس على حق لأنه هو الدولة و أن الدولة لا يمكن أن تكون خاطئة بأجهزتها و قضاءها و أمنها و إدارتها و مؤسساتها و هكذا فإن معارضة الرئيس خيانة لأنها معارضة للدولة.
كما اتهم الوزير الأسبيق الإعلام يلعب الدور المناط به في عشرية الحرية كما سماها. إلى جانب افتقادت القوى السياسية لبرنامج حكم يعتمد على تطوير الوعي المعرفي العام للحكم و السلطة, في مناخ ديمقراطي وفق تعبيره, و لتطوير ممارسة الشعب التي لم تكن في الغالب الا إستنساخا لممارسات منظومات حكم ما قبل الثورة.
و خلص فوزي عبد الرحمان إلى أن “وعينا بأنفسنا (بنقاط قوتنا و عناصر ضعفنا) لا يمكن أن يتطور من غير تكوين و فهم لمفاهيم الحكم العصرية و إدراك أن الدولة قائمة و دائمة و أن السلطة مهما كانت زائلة و أن رئيس الدولة و ممثلها ليس هو الدولة و كذلك بتطوير وعينا بما يجري حولنا في العالم .. لا بد من ترك مجال كبير لشبابنا للسفر حول العالم و التعرف على تجارب الشعوب و جعل ذلك متوفرا لأننا مع الأسف و خلافا لما عاشته الأجيال السابقة أصبح تقوقعنا على أنفسنا عائقا حضاريا جديا.”