تحقيقاتجهوية

القيروان تحت حصار العطش: جهينة نموذجا وأمل مفقود في مشروع جلب مياه الشمال

في ظل غياب حلول جذرية من السلطات، واقتصارها على وعود متكررة لم تر النور

لا تزال منطقة جهينة، التابعة لمعتمدية بوحجلة من ولاية القيروان، ترزح تحت وطأة أزمة عطش خانقة متواصلة منذ أكثر من سبع سنوات، في ظل غياب حلول جذرية من السلطات، واقتصارها على وعود متكررة لم تر النور، وفق تأكيدات الأهالي لـتوميديا.

وتعد منطقة جهينة منطقة فلاحية بامتياز، حيث تشتهر بغراسة الزياتين وأشجار اللوز، فضلا عن نشاط عدد كبير من الفلاحين في تربية الأبقار، كما تحتضن الجهة عددا من معاصر الزيت التي تعد مصدرا اقتصاديا محليا مهما. وقد تم إحداث بلدية جهينة رسميًا بمقتضى الأمر الحكومي عدد 444 لسنة 2017 المؤرخ في 12 أفريل 2017 الا انها لا تزال تفتقر إلى مشاريع تنموية حقيقية في ظل تدهور البنية التحتية وغياب الماء الصالح للشرب.

في ظل هذا الوضع، يُجبر السكان على شراء صهاريج مياه من سماسرة بأسعار قد تصل إلى 70 دينارًا، أو على جلب المياه من مناطق مجاورة باستخدام الدواب أو الدراجات النارية ،فيما يضطر آخرون إلى استهلاك مياه الآبار الفلاحية المالحة رغم خطورتها الصحية، ما يضاعف معاناتهم اليومية.


حتى المسجد في الجهة لا تتوفر فيه المياه، مما يُجبر العاملين فيه على جلب قوارير بلاستيكية من مناطق بعيدة لتأمين الحد الأدنى من النظافة، كما يشتكي الأهالي من تدهور المسالك الفلاحية المؤدية للطريق الرئيسي، ما يصعّب التنقل، خاصة خلال فصل الأمطار، ويعزل الجهة عن محيطها.

 

 

 

لكن جهينة ليست حالة معزولة، إذ تشكو عدة مناطق ريفية بمختلف معتمديات القيروان على غرار العلا، حفوز، الشراردة، منزل المهيري وبوحجلة من نفس الأزمة. ويُعزى ذلك إلى التغيرات المناخية، نقص التساقطات، واستنزاف المائدة المائية نتيجة الربط العشوائي بشبكات الجمعيات المائية التي تعاني بدورها من سوء التصرف وتراكم الديون لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز.

 

وفي هذا السياق، عمد اليوم الإثنين 4 أوت 2025 عدد من أهالي منطقة عين البيضاء من معتمدية حفوز إلى غلق الطريق الوطنية عدد 3 الرابطة بين القيروان والوسط الغربي، على مستوى منطقة الزملة، وذلك احتجاجا على الانقطاع المتواصل للمياه، في ظل الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة. وقد قام المحتجون بمنع مرور السيارات والشاحنات في الاتجاهين.

وفي نفس اليوم، أقدم عدد من أهالي منطقة الهوارب من معتمدية الشبيكة على غلق الطريق كذلك، بسبب انقطاع المياه وغياب حلول فعلية، مما زاد في حالة الاحتقان.

وقد شهدت ولاية القيروان خلال الأيام الأخيرة موجة حرّ شديدة، زادت من تفاقم المعاناة، في وقت تعيش فيه عدة مناطق عزلة مائية تامة، ما ولّد حالة من التوتر والغضب في صفوف الأهالي الذين وجدوا في غلق الطرقات وتنفيذ الوقفات الاحتجاجية أمام مقرات السيادة الوسيلة الوحيدة لإسماع أصواتهم.

وتعد نسبة امتلاء السدود الكبرى الثلاثة بولاية القيروان(سد نبهانة، سد سيدي سعد، وسد الهوارب) ضعيفة للغاية، حيث لا يتجاوز المخزون الإجمالي الحالي 34 مليون متر مكعب، مقارنة بطاقة استيعابها الجملية التي تتجاوز 307 مليون متر مكعب وهو مازاد من شح المياه.

أصوات من قلب المعاناة

يقول المواطن محمد العبدلاوي، أحد متساكني منطقة جهينة لتوميديا إن جهته تضم أكثر من 150 عائلة، جميعها تعاني من أزمة العطش الخانقة منذ سنوات، مشيرا إلى أن المسؤولين “لا يقدمون سوى الوعود، دون تنفيذ أي حل ملموس على أرض الواقع”.

أما خليفة الدوزي، فعبّر عن مرارة المفارقة التي يعيشها الأهالي، موضحا أن قنوات المياه تمر على بعد لا يتجاوز 150 مترًا من منازلهم، دون أن يُسمح لهم بالانتفاع منها، رغم أنهم ينتظرون الربط بالشبكة منذ أكثر من 8 سنوات.

 

ومن جانبه، عبّر المواطن علي الدوزي عن استيائه من تدهور المسالك الفلاحية، مؤكدا أن المنطقة تتحوّل إلى عزلة تامة إثر نزول الأمطار، حيث يتعذر التنقل وبيع المنتجات الفلاحية، ويصل الأمر إلى تغيب التلاميذ عن الدراسة بسبب صعوبة الوصول إلى المدارس، بل وحتى الوصول إلى الجامع يصبح معاناة حقيقية.

 

مشروع ظل حبرا على ورق…رغم مرور 8 سنوات عن الإعلان عنه

 

وأمام هذا الوضع، يرى المختصون أن الحل الأنسب يتمثل في تنفيذ مشروع جلب فائض مياه الشمال إلى القيروان وربط السدود الثلاثة ببعضها، وذلك من أجل تغذية المائدة المائية وضمان حقوق الفلاحين، لا سيما وأن ولاية القيروان تعتمد أساسا على النشاط الفلاحي كمصدر رزق رئيسي.

ويُذكر أن رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد أعلن خلال زيارته إلى القيروان في نوفمبر 2017 عن مواصلة الجزء الثاني من دراسة المشروع بكلفة 4.5 مليون دينار، على أن تنطلق الأشغال سنة 2019 لكن المشروع لا يزال معطّلا إلى اليوم، حيث لم تستكمل الدراسة، ولم تحدد بعد الكلفة النهائية التي ستضبط في الجزء الثالث والأخير منها.

ومنذ انطلاق الدراسات سنة 2015، ما يزال المشروع في طور التخطيط، ولم يخرج إلى حيّز التنفيذ، بل إن حتى مشروع ربط سدي الهوارب وسيدي سعد تعثّر بسبب اعتراضات بعض المواطنين على مرور القنوات عبر أراضيهم.

 

في ظل تواصل المماطلة الإدارية وغياب الإرادة السياسية، يستمر العطش في خنق ولاية القيروان، فيما يعلّق الأهالي أملهم الأخير على مشروع ظل حبرا على ورق لأكثر من عقد من الزمن، رغم كونه مصيريا لولاية تعتمد على الفلاحة كمصدر حياة،وفي المقابل لا يزال يننظر أهالي منطقة جهينة كغيرها من المناطق الأخرى توفير “شربة ماء” وهو حق دستوري وانساني.

Authors

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى