الأخبارجهوية

المرصد التونسي للاقتصاد : معدل الفقر في القصرين 33.6% سنة 2020

يعود سبب انقطاع أبنائها عن الدراسة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، مما يجعل من الفقر والتهميش بيئة طاردة للتعليم

لا تزال ولاية القصرين من أكثر الجهات تهميشًا في تونس، وهو ما تؤكده مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصًا في ما يتعلق بالحق في التعليم. فقد كشف المرصد التونسي للاقتصاد، في دراسة حديثة، عن عمق اللامساواة المكانية في البلاد، وكيف تتحول الفجوة الجغرافية إلى انتهاك ممنهج للحقوق الأساسية، وعلى رأسها التعليم. وقد اتخذت الدراسة ولاية القصرين نموذجًا لقراءة هذه الإشكالية.
ورغم أن الفصل 38 من دستور 2022 ينص صراحة على أن التعليم حق إلزامي ومجاني لكل الأطفال التونسيين بين 6 و16 سنة، فإن الواقع الميداني في القصرين يعكس صورة مغايرة، حيث يغيب هذا الحق في العديد من المناطق الريفية بسبب افتقارها للمؤسسات التربوية أو تدهور بنيتها التحتية، فضلًا عن نقص وسائل النقل المدرسي، وارتفاع كلفة التنقل والمستلزمات الدراسية، ما يجعل من التعليم امتيازًا جغرافيًا لا حقًا دستوريًا.
وسجّلت ولاية القصرين، منذ سنة 2015، أعلى نسب الانقطاع المدرسي على المستوى الوطني، خصوصًا في التعليم الإعدادي. فخلال السنة الدراسية 2021-2022، بلغت نسبة الانقطاع المدرسي في تونس نحو 4%، لكن هذه النسبة ترتفع بشكل مقلق في القصرين، خاصة في المناطق الريفية المهمّشة.
ويرتبط هذا الانقطاع ارتباطًا وثيقًا بمعدلات الفقر المرتفعة، حيث بلغ معدل الفقر في الجهة 33.6% سنة 2020، وهو الأعلى في البلاد. ووفقًا لمعطيات المرصد، فإن 46.7% من العائلات في منطقة الوسط الغربي أرجعت سبب انقطاع أبنائها عن الدراسة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، مما يجعل من الفقر والتهميش بيئة طاردة للتعليم.
ويزيد الوضع تعقيدًا ضعف البنية التحتية في العديد من المؤسسات التربوية، وغياب الفضاءات الرياضية والثقافية، ونقص التجهيزات والمرافق الصحية الأساسية. ورغم أهمية التعليم كأداة لمكافحة الفقر، فإن نسبة الاستثمار العمومي المخصصة لقطاع التربية لا تتجاوز 5.5% من إجمالي نفقات الدولة، وهي نسبة ضعيفة جدًا مقارنة بحجم الحاجيات، في حين لا تستفيد القصرين سوى بـ 5.8% من هذا الاستثمار.
وتسلّط الدراسة الضوء أيضًا على التفاوت الجندري، حيث أن نسب التحاق الفتيات بالمدرسة في القصرين تبقى دون المعدل الوطني، وتنخفض في بعض المعتمديات إلى أقل من 85%. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، من بينها الفقر، وبعد المؤسسات التربوية، وانعدام الأمن، ما يدفع العديد من العائلات إلى تفضيل بقاء الفتيات في المنازل على مواصلة الدراسة.
ويُجمع المرصد على أن أزمة التعليم في ولاية القصرين لا تعود فقط إلى الفقر، بل هي نتيجة مباشرة لسياسات عمومية غير عادلة في توزيع الموارد.
في ضوء هذه المعطيات، تدعو الدراسة إلى تدخل عاجل وفعّال من الدولة من خلال مراجعة آليات تمويل التعليم بما يضمن عدالة التوزيع بين الجهات و توجيه استثمارات إضافية إلى المناطق المهمّشة لتحسين البنية التحتية المدرسية الى جانب توفير النقل المدرسي المجاني و دعم الأسر المعوزة باللوازم المدرسية والمنح و تعزيز البرامج الاجتماعية الرامية إلى الحد من الانقطاع المدرسي، خاصة لدى الفتيات.
إن إعادة الاعتبار لحق التعليم في الجهات الداخلية، وعلى رأسها ولاية القصرين، لم يعد ترفًا تنمويًا بل ضرورة وطنية لإنقاذ أجيال من السقوط في دوامة التهميش والفقر.

Authors

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى