مرّ أسبوع لا يشبه سابقيه ، بدأ بزيارة لا يضاهيها وطأة على النّفس إلاّ الإحساس بالقهر إثر جنون الأحكام المتوِّج لعبثيّة المحاكمات ..!
* الإثنين 26-05-2025 / سجن المسعدين : هي زيارة أسعى لها بخطوات متثاقلة يحرّكها الإحساس بالواجب ويبطؤها التوجّس من رؤية الظّلم مكثّفا و مجسّدا في .. شذى الحاج مبارك ..!
بادرتني لائمة – على غير عادتها – : ” علاش وخّرتو عليّ ..!؟ “
اكتفيت بالإعتذار دون التّجرّؤ على تقديم أعذار قد تكون مقبولة و قد لا تكون كافية ..
” راني باش نموت .. حطّموني بدنيّا و نفسيّا ..نستنّى شهور باش نداوي .. ما يحبّ يقابلني حدّ م المسؤولين .. سجينة ع الإرهاب معايا في البيت ضربتني على يدّي قريب تكسّرهالي و ما سمعني حدّ .. موش مصدّقين الّي آنا ما نسمعش ، كيف يبدى المحامي يعيّط باش نسمعو والاّ يكتبلي في ورقة يضحكو عليّ و يقولولي هاك تسمع عايلتك في الزيارة كيف تكلّمهم في التّاليفون .. شطر دبشي يتسرق في البيت و ما يسمعني حدّ كيف نشكي .. ما نعرفش علاش موجودة في الحبس .. و لكن نحبّ ننقّل من جحيم المسعدين ….! “
علمت بعد يومين من زيارتها أنّه تمّت نقلتها لسجن بلّي و لا أظنّ أنّه كان لي دور في ذلك فلم أتعوّد سرعة التّفاعل .. إلاّ في نجاعة العقوبة و سرعة التّضييق ..
في كلمة ، شذى هي تجسيد للمحاكمة بالكمشة المجهولة ، كانت صحفيّة تمارس عملا إعلاميّا لا تجاوز فيه و لا خرق لأخلاقيّات المهنة فوجدت نفسها متّهمة برئاسة تحرير شركة خدمات إعلاميّة دون أيّ دليل و لا إثبات و لا حجّة ..
* الإربعاء 28 – 05- 2025 / سجن برج العامري : انتظار لمدّة 35 دقيقة تحت أشعّة شمس برج العامري ثم انتظار لمدّة 65 دقيقة قبل التمكّن من مقابلة مهدي بن غربيّة ، في خاتمة الزّيارة قال جملة تلخّص كلّ شيء : ” ما كفاتهمش الإتّهامات بالتّبييض و الإيقاف منذ قرابة الأربع سنوات ، ما كفاتهمش قضيّة التّآمر مع كيسنجر للتّشويش على الإنتخابات المحلّيّة ، توّ يحبّو يغتالوني معنويّا بقضيّة رحمة الله يرحمها ، سألت قاضي التّحقيق : سألتني على هويّتي و خبّرتني بالفصول القانونيّة أمّا ما خبّرتني شنيّة الأفعال المنسوبة ليّ .. جاوبني : آنا ننفّذ في قرار دائرة الإتّهام ..! “
* الإربعاء 28 – 05- 2025 / سجن المرناڤيّة : لا علاقة بين المعجمين اللذين يحتاجهما تأثيث الحوار مع معتقل السّيّارة ( حطّاب سلامة ) الذي نال حكمًا بالسّجن 4 سنوات ” على عملة عملتها كرهبة عارضها للبيع في محلّو ” تمّ تصويرها في المكان الخطإ و في التّوقيت غير المناسب ..! و الذي يكرّر عليك سؤالاً لا جواب لك عليه – رغم بساطته : ” آش نعمل هنا ..!؟ ” ، و بين النّقاش السّياسي و الفكري مع عصام و غازي و رضا و خيّام و الصّحبي و سي علي ..
* الخميس 29-05-2025 / سجن النّساء بمنّوبة : حدّثتني سنية الدّهماني عن سعادتها بقراءة رواية : Les immortels d’Agapia رغم أنّي تعمّدت أن أقصّ على العون المكلّف بتلقّي الكتب ما يسهّل على الرّقيب عمله : ” هي رواية كتبها قسّ من رومانيا و تدور أحداثها في المرتفعات الثلجيّة لمولدافيا .. ” و رغم ذلك قضّت لدى الرّقيب أسابيع طويلة أظنّ Virgil Gheorghiu استغرق أقلّ منها لكتابة روايته الرّائعة ..!
ما بقي في ذهني و أنا أغادر هذا السّجن ” ثقيل الظّلّ ” هو ما قالته سنية و هي خارجة من مكتب الزّيارة ” تصوّر يقولولك ما تاخو بطاقة الزّيارة كان ما تدخل .. أمّا ما تدخل كان بيها ..! آنا عملولي هكّاكة على الرّياضة ، ممنوع في البيت ، وباش تخرج لقاعة الرّياضة ( الّي Jeanette و Christine عندهم الحقّ فيها يوميّا ) يلزم ترخيص م الطّبيب طبيب الحبس يقلّك يلزم طبيب خارجي في السّبيطار ، و بعد ما تستنّى شهور يقلّك : شوف مع الادارة .. وهاذي ما هي إلاّ عيّنة .. تحسّ الّي الهدف من كلّ الإجراءات هو الجواب على سؤال وحيد : كيفاش يضيّقو عليك و يخلّيو حياتك أصعب و يخلّيوك مشغولة بأبسط و ” أتفه ” الحاجيات اليوميّة ..” ع الاقلّ المشرفة اسمها .. ملاك..!

* الخميس 29-05-2025 / موقف السّيّارات قرب سجن النّساء بمنّوبة : أفتح الهاتف فأكتشف عشرات المكالمات والرّسائل النّصّيّة : تمّ ” إبعاد ” معتقلي قضيّة ” التّآمر ” الوهميّ إلى سجون مختلفة في أنحاء البلاد ، تعوّدت أن لا أستغرب شيئا في هذه الظّروف الكالحة المغبرّة و لكن كنت مخطئا حين قلت – بعد صدور الأحكام الإبتدائيّة – للمنوّبين وعائلاتهم أنّ ” النُّقل التّنكيليّة ” منتظرة .. و لكن بعد الأحكام النّهائيّة ، كما هو معتاد في القضايا ” العاديّة ” و الإجراءات ” العاديّة ” مع المعتقلين ” العاديّين ” ..
لم يفهم أيّ من الزّملاء المحامين السّبب الذي يجعل الهيئة العامّة للسّجون ( التي حطّمت كلّ الأرقام القياسيّة في بلاغات التّكذيب و الشّكايات المقدّمة بالمحامين الذين يتجرّؤون على انتقاد الظّروف السّجنيّة ) تقرّر نقلة غازي الشّوّاشي إلى سجن النّاظور ( و هو سجن مخصّص للمحكومين نهائيّا من ذوي الأحكام الطّويلة ) و عصام الشّابي لسجن برج الرّومي و رضا بلحاج لسجن سليانة و كمال البدوي لسجن السّرس و حطّاب سلامة لسجن بلاّريجيا ( قرب جندوبة ) و الصّحبي عتيق لسجن برج الرّومي قبل أسبوع من جلسة محاكمته في أريانة ..!
* الجمعة 30-05-2025 : انطلقت العائلات في اتّجاه سجن المرناڤيّة بحثًا عن معلومة تنيرها حول مصير أبنائها و بعضها توجّه إلى مراكز البريد بعد أن اكتشف أنّ حساب السّجين في البريد يغلق إذا تمّت نقلته لسجن آخر ..و انطلقت سيّارات المحامين في اتّجاهات متعدّدة ، يسر و سامي في اتّجاه سليانة و هيفاء و حسن و سمير في اتّجاه النّاظور و برج الرّومي وآخرون في اتّجاهات أخرى ، و حصيلة اليوم الشّاقّ أسئلة تبحث عن أجوبة مقنعة :
هل يكفي اعتذار مدير سجن سليانة للأستاذة يسر لإقناعها بأنّ الإستيلاء على هاتفها الجوّال و إعادته ( إثر احتجاجها ) مفتوحًا بعد أن تركته مغلقًا – قبل الزّيارة – في الخزانة عدد 5 بقاعة الإستقبال في السّجن .. هو أمر عاديّ و لا خلفيّة تلصّصيّة له ..!؟
هل أنّ ترك العائلات ساعات طوالا تتقاذفها الحيرة و الإشاعات دون معلومة دقيقة عن مصير أبنائها ، و دون الإتّصال بها رسميّا من إدارة السّجن ، كما يفرض ذلك الفصل 14 من قانون السّجون ، هو مجرّد سهو لا يخفي رغبة في التّشفّي و التّنكيل ..!؟
هل أنّ تنفيذ عمليّة النّقلة من سجن المرناڤيّة بعدد كبير من الأعوان الملثّمين ، وجرجرة غازي من غرفته إلى سيّارة السّجن ( وحجز كرّاساته ومرافعته المكتوبة عن نفسه في قضيّته التي لا تزال منشورة ) كما لو أنّ محاكمة غازي و عصام و رضا و الصّحبي بموجب قانون مكافحة الإرهاب تكفي ليصدّق من يحاكمهم ، و يتحكّم في أدقّ تفاصيل حياتهم ، أنّهم إرهابيّون فعلاً ..!؟
و السّؤال الأهمّ : من يشرف على كلّ هذا ؟ من صاحب القرار في أسئلة من ؟ماذا ؟متى ؟و كيف ؟ من اتّخذ قرار إبعاد المعتقلين عن عائلاتهم و محاميهم و قاضيهم .. و محاكمتهم لا زالت متواصلة ، و كأنّ طورها الإستئنافي مجرّد شكليّة ( و كما قال غازي ” هزّوني للنّاظور ، حبس محكومين ، بالنّسبة ليهم الحكم صدر ديجا ..! ” ) ، و قبل ذلك : من اتّخذ قرار الإستناد في تأثيث 99% من الملفّ بسخافات الشّاهد المحجوب/المعلوم الهويّة ..!؟
لكلّ مرحلة عنوان ، كان عنوان مرحلة بن علي : التّعذيب ، و عنوان مرحلة الإنتقال الدّيمقراطي المغدور : حرّيّة الفوضى و فوضى الحرّيّة ، و لا شكّ لديّ في أنّ عنوان المرحلة الحاليّة هو :
الظّلم •