

أكدت لجنتا المخططات التنموية والمشاريع الكبرى والاستثمار والتعاون الدولي، بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، الثلاثاء، ضرورة إعداد خارطة فلاحية جديدة تراعي التحولات المناخية وتحفّز على الانتقال نحو أنماط إنتاج أكثر استدامة اضافة الى إعادة هيكلة القطاع بمنهج تشاركي ولامركزي.
وأبرزت اللجنتان، خلال جلسة استماع لممثلي الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع، ضرورة التوظيف الأمثل للموارد الطبيعية وخاصة المياه والتربة، في ظل التغيرات المناخية وشح المياه، وذلك باعتماد مقاربات مستدامة وعلمية تضمن استمرارية الإنتاج وحماية البيئة في آن واحد.
ودعت اللجنتان الى تعزيز الحوكمة وتمكين الفلاحين وخاصة الشباب ودعم البحث العلمي وتفعيل دور الإرشاد الفلاحي والتكوين المستمر من أجل رفع كفاءة العاملين في القطاع ومواكبة التحولات التكنولوجية والبيئية، وفق بلاغ نشر على صفحة المجلس على “فايسبوك”.
وتم التأكيد على ضرورة تعزيز التنظيم المهني للفلاحين عبر هياكل قوية تمثّلهم وتدافع عن مصالحهم، وتشجع على العمل الجماعي والاقتصاد التضامني. كما شدّد عدد من النواب، على ضرورة تشريك الفلاحين، وخاصة الشباب، في صياغة السياسات العمومية والمشاريع الفلاحية، وذلك لضمان تكيّفها مع الواقع وتحقيق نجاعة ونجاح التدخلات. وأجمع الحاضرون على ضرورة أن تستند هذه التوجهات إلى رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة، تُبنى على أسس تطوير الإنتاج وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويضمن ديمومة النشاط الفلاحي ويجعل منه رافعة حقيقية للتنمية المستدامة والاندماج الاجتماعي في تونس.
وتطرقت الجلسة، كذلك، إلى مسألة التبعية الغذائية لتونس للأسواق الخارجية وما تطرحه من مخاطر وتحديات، داعية إلى بناء منظومة وطنية متكاملة لضمان الأمن الغذائي وتعزيز الاكتفاء الذاتي. واستعرضت عددا من الإشكاليات البنيوية التي تعيق نجاعة القطاع، من بينها ضعف الحوكمة وتشتت البرامج وتضارب الأدوار بين المتدخلين، إلى جانب هشاشة الوضعية الاقتصادية للفلاح وارتفاع كلفة الإنتاج بالاضفة الى تراجع مردودية الاستثمار الفلاحي، ما يؤدي إلى نفور المستثمرين والشباب من القطاع.
ولفت الحاضرون إلى ظاهرة عزوف الشباب عن النشاط الفلاحي نتيجة غياب الحوافز وندرة آفاق التطور المهني في هذا المجال، وتم الربط بينها وبين النمو الديمغرافي السلبي في المناطق الداخلية، ما يهدد استمرارية النسيج الفلاحي ويضعف ديناميكية الأرياف.
ومن بين الإشكاليات الكبرى التي طُرحت خلال الجلسة، أيضًا، مسألة تشتّت العقار الفلاحي، والتي تعدّ من أبرز العوائق التي تعرقل استغلال الأراضي بصفة مجدية. فقد ساهم الإرث والغياب شبه الكلي للإصلاحات العقارية في تقسيم الملكيات إلى مساحات صغيرة غير قابلة للاستثمار أو التطوير، ما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وصعوبة إدماج هذه العقارات في مسارات التمويل والتهيئة الفلاحية.
وشدد الحاضرون، في السياق ذاته، على ضرورة إيجاد حلول عملية وتشريعية لتجميع العقارات أو تشجيع العمل الجماعي ضمن شركات تعاضدية أو مجامع تنموية، بما يُمكّن من استغلال أفضل للأراضي وتحقيق مردودية أعلى. وأبرزوا الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع باعتباره أحد ركائز الاقتصاد الوطني ومصدرًا أساسيًا للتشغيل، خاصة في المناطق الريفية، بالإضافة إلى دوره المحوري في تحقيق السيادة الغذائية. وذكروا بالأهداف الكبرى التي يُراد بلوغها في أفق 2030، على غرار تحسين الإنتاجية ورفع القدرة التنافسية وتأهيل البنية التحتية وتطوير الموارد البشرية بما يدعم الاكتفاء الذاتي الغذائي ويعزز صمود المنظومة الفلاحية.