تحقيقاتجهوية

العاملات الفلاحيات في تونس: عوز و عنف مسلط و ظروف عمل لا إنسانية

رغم النصوص التشريعية العاملات الفلاحيات يتعرضن للعنف إقتصادي و التمييز في الأجر مقارنة بالرجال بالرغم من تقديمهن خدمات أكثر جدوى وإتقان

ككل فجر تنطلق رحلة أحلام بعد إحضار وجبة الغداء لأبنائها الذين تركتهم نياما لتتوجّه إلى الحقول بحثا عن قوتها وقوت عيالها على الرغم من تدني الأجر المخصّص لها ولعشرات مثيلاتها ممن يرافقنها من الكادحات اللائي يتنقلن في شاحنات تتحول في بعض الأحيان إلى آلة للموت بسبب فقدانها لأبسط شروط السلامة،حيث يتعمد السائقين إلى سكب المياه بالصناديق الخلفية لسيارات النقل, لتظل العاملات واقفات ويتسنى لها (الصناديق ) استعاب أكبر عدد ممكن من مثيلات أحلام الوهيبي ؛ العاملة الفلاحية أصيلة “الكرمة” من ولاية القيروان, التي أكدت أنها تتعرّض بصفة يومية إلى العنف الإقتصادي والتمييز ،حيث يتم خلاصها بأجر زهيد مقارنة بالرجل, بالرغم من أنها تقدم خدمات أكثر جدوى منه. و تتفوق عليه في إتمام مهامها.

 

عاملات القطاع الفلاحي بين  العنف المسلط عليهن من أصحاب العمل والحوادث المميتة

من جهتها ، قالت وريدة الغربي (سبيطلة/القصرين) أنها تعرضت إلى تمزق عضلي على مستوى الكتف إثر عملها في إحدى الضيعات الفلاحية بأحواز معتمدية سبيطلة مما دفعها إلى التوجه نحو المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد و نظرا لقلة التجهيزات والمعدات الطبية وغياب طب الاختصاص تنقلت إلى ولاية سوسة لإجراء عملية جراحية معبرة عن إستيائها من غياب التغطية الإجتماعية فتكبدت نفقات طائلة أثناء فترة العلاج والتنقل.

أما نورة الغربي أصيلة منطقة (البلاهدية/سيدي بوزيد) فقد أوضحت أنها تتعرض كباقي زميلاتها أثناء عملهن بالحقول الفلاحية, إلى جميع أنواع العنف خاصة العنف اللفظي, ممّا دفع عددا من الفتيات إلى النزوح نحو المناطق الأكثر حظا, حفظا لكرامتهن وهروبا من الواقع المرير في ظل غياب وسائل الترفيه, ثم تسائلت عن مصير البلاد في حال توقف عاملات القطاع الفلاحي عن العمل, ومن سيجني المنتجات الفلاحية ومن سيؤمن قوت الملايين من المستهلكين؟.

و يمكن أن نذكر في هذا السياق ما أورده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تقرير أصدر الخميس 1 ماي 2025، بخصوص الحوادث التى يتعرض لها العاملات الفلاحيات في تونس, حيث أكد تسجيل 88 حادثًا جراء النقل العشوائي للعاملات الفلاحيات منذ سنة 2015. و أن هذه الحوادث خلّفت 65 ضحية و983 جريحًا وجريحة أغلبهم من العاملات في القطاع الفلاحي. كما أشار المنتدى إلى أنّ 60% من مجموع الحوادث تم تسجيلها بعد سنة 2019، أي بعد سنّ قانون ينظّم عملية نقل العملة والعاملات في الفلاحة، كما لفت إلى أنّ 50% منها تم تسجيلها في ولايتي القيروان وسيدي بوزيد.

 

موقع المرأة في المجتمع وفق الإحصائيات الرسمية

يؤكد المعهد الوطني للإحصاء أن الإحصاءات الدّيمغرافيّة الأخيرة، كشفت تطوّر عدد النّساء في المناطق الرّيفيّة إلى 1.78 مليون امرأة أي 32% من مجموع النّساء و50,4% من إجماليّ سكّان الرّيف في تونس. كما تمثّل النّساء في الوسط الرّيفي 70% من مجموع اليد العاملة في القطاع الفلاحي.

ورغم محوريتهن في المجتمع التونسي تعداد وقوة عمل متقدمة و مهمة, إلا أنّهن لا يمثلنّ سوى 15% من القوّة العاملة القارّة و8% من عدد المشغّلين. وكل ذلك يعود إلى التمييز المجحف بحقهن وعدم تمكينهن من حقوقهن مثل الرجل.

 

 العنف في تصاعد رغم كثرة التشريعات

 

أكدت المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية مكتب القيروان،حياة عطّار أن ظاهرة العنف المسلط ضد النساء خاصة في القطاع الفلاحي في تصاعد رغم كثرة التشريعات والنصوص القانونية على غرار القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.

 

وطالبت عطّار السلطات المعنية بضرورة إصدار الأوامر الترتيبية للمرسوم عدد 4 لسنة 2024 المؤرخ في 22 أكتوبر 2024 المتعلق بنظام الحماية الإجتماعية للعاملات الفلاحيات وذلك لتمتيع هذه الفئات الهشة من حقوقهن.

 

يذكر أن العنف ضد المرأة حسب الفصل 3 من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ينص على أن ” كل إعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو إقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضا التهديد بهذا الإعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق و الحريات سواء في الحياة العامة أو الخاصة”.

 

أما العنف الإقتصادي فهو” كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة” مثلما جرى لنورة وزميلاتها أو حرمانها من الموارد الإقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من الأجر أو المداخيل والتحكم في الأجور وحصر العمل أو الإجبار عليه وذلك وفق الفصل 3 من القانون الأساسي عدد 85 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.

 

ويشار إلى أن 78 بالمائة من العاملات الفلاحيات (من المستجوبات ) يتعرضن إلى العنف أثناء أو في الطريق إلى العمل منهن 10% يتعرضن إلى العنف الجنسي و5 %إلى العنف المادي و64 % إلى العنف اللفظي حسب دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية وهو ما يفسر هشاشة العمل في القطاع الفلاحي وضعف تدخل الدولة من حيث التنظيم والهيكلة والمراقبة إلى جانب العقلية الذكورية والفكر الجمعي المبني على التمييز ضد النساء والتطبيع مع الاستغلال ومع العنف،هي الحاضنة الإجتماعية والسياسية للعنف الإقتصادي وهي أيضا مؤثر فعال في وضعية العمالة النسائية في القطاع فيها تنشأ وتتطور بقية أشكال العنف فتتقاطع فيما بينها وتتنوع مصادرها.

 

وحسب دراسة قام بها أيضا الإتحاد العام التونسي للشغل الصادرة في أكتوبر 2020, بينت أن 203 عاملة من جملة 319 تعرضن للعنف اي ما مايعادل نسبة 63.63%، و 38 عاملة منهن تعرضن للعنف الجنسي بينما صرحت 165 عاملة بتعرضها للعنف المادي.

 

وتضطر أغلب ضحايا العنف الجنسي إلى الصمت خوفا من الطرد إلا في حالات نادرة ولا يزال إلى اليوم من الإنتهاكات المسكوت عنها والتي ترفض الضحايا التصريح بها خاصة في ظل غياب الوعي وإنعدام الشعور بالحماية إلى جانب غياب البديل الشغلي عن العمل الفلاحي.

 

حيث يختار الوسيط مثلما سردت العاملات بمواصفات جسدية معينة

 

ويذكر أن العنف المسلط على المرأة متجذر بالأساس في المجتمع من خلال العقلية الذكورية والموروث الثقافي والإيديولوجي وكذلك من قبل الدولة التي تخلت مؤسساتها أو عجزت عن أداء وظيفتها في ذات المجال ، إلى جانب القوانين المتضاربة التي على تنوعها لم تقبل التطبيق مثل المرسوم عدد 4 المتعلق بنظام الحماية الإجتماعية للعاملات فإن برامجه ظلت بلا رؤية -على حد تعبير – ممن تحدثوا إلينا في ذات الخصوص.

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى