تحقيقات

العنف ضد النساء في تونس: ظاهرة تتصاعد بين ضعف التشريع والخطابات المحرضة

تحقيق

تَعرف ظاهرة العنف ضد النساء انتشارا غير مسبوق في السنوات الأخيرة في تونس والعالم عموما انتشارا رافقه تنوعا على مستوى الأشكال, بلغ معها حد القتل بدم بارد من قبل الأزواج أو أحد الأقارب أو عن طريق مجرمين وقطاع طرق. ووفق تقرير مشترك صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة سنة 2023، قتل 85 ألف إمراة عبر العالم،51 ألف منها أي ما يعادل 60 بالمائة تمت عن طريق الزوج أو الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة. وأوضح التقرير أن 140 إمرأة وفتاة تموت كل يوم، مما يعني مقتل امرأة واحدة كل 10 دقائق. 

أنواع العنف المسلط على النوع الإجتماعي (النساء):

بحسب التعريفات القانونية لأنواع العنف المسلط ضد النساء, الذي أورده كتاب دليل التعهد بالنساء ضحايا العنف وصاغته المنظمة الدولية لقانون التنمية، بالتنسيق مع وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن  التونسية وبدعم من وكالة التعاون الإيطالي للتنمية، فإن العنف من خلال مقاربة النوع االجتماعي هو العنف الذي يمارس ّضد المرأة لأنها امرأة, وهو نتيجة علاقات غير متساوية بين ّ النساء والرجال عبر التاريخ. 

ويعتبر العنف المسلط على النساء اليوم أولوية صحية عمومية ملحة على المستوى العالمي نظرا لتفاقم وخطورة الآثار الناجمة عنه على المستوى  الشخصي والجماعي.

يمكن أن يكون العنف جسديا أو جنسيا أو نفسيا أو اقتصاديا أو سياسيا. فكل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة, يكون أساسه التمييز بين الجنسين والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو جنسي أو نفسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة“. وهو تمييز ّ مسلط عليهن ّ ومس من كرامتهن ّ وتعد على كيانهن الجسدي والمعنوي والجنسي.

 

من وجهة نظر التحليل النفسي:

من جهتها ترى أستاذة علم النفس والمختصة في مكافحة ظاهرة العنف ضد النوع الاجتماعي سندس قربوج أن العنف المسلط على النساء هو كل اعتداء أو تهديد بالإعتداء أدى إلى أضرار جسدية أو معنوية على نساء بصفتهن نساء. وفي

تونس وقع تعريف العنف ضمن القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف المسلط على المرأة. وقت شمل هذا القانون كل الجوانب المتعلقة بالمرأة حتى الجانب النفسي إضافة إلى الجوانب القانونية. 

وتشير قربوج أن من مزايا القانون 58، أنه مكن من تضمين عبارة “الضحية” والتى لم يشملها أي قانون سابق خاص بالنساء. كما شمل أيضا قائمة كبيرة من أنواع العنف التى يمكن أن تسلط على النساء وعددها 5 أنواع. أربعة منها معروفة, وهناك نوع جديد من العنف ظهر مؤخرا مع اتساع استعمال وسائل التواصل الإجتماعي وهو العنف الرقمي والذي لم يشمله قانون عدد 58.

وتؤكد قربوج أنه وفق دراسة صدرت سنة 2010 أظهرت أن نسبة 47.6 بالمائة من نساء تونس تعرضن للعنف ولو مرة واحدة في حياتهن, رغم أن العدد الحقيقي هو أعلى من هذه النسبة بكثير وفق تأكيدها في انتظار أن تصرح الجهات الرسمية بالأرقام الحقيقية على غرار المرصد الوطني لمكافحة العنف ضد النساء.

(تصريح سندس قربوج  تعريف العنف وخصائصه: الفيديو رقم 2 من 0:15 دق   إلى 4:28 دق)

العنف السياسي  المسلط على النساء

ومن بين العنف المسلط على النساء في تونس نجد العنف السياسي. فرغم مرور 15 سنة على أحداث ثورة 2011 التي كرست مزيدا من حقوق المرأة، نجد تجدد لهذه الظاهرة و بضراوة بعد 25 جويلية 2021, فأصبحنا نرى ناشطات في الحقل السياسي و الحقوقي مسجونات بسبب نشاطهن أو إبداء رغبتهم في الترشح لرئاسة الجمهورية، وهذا ما أثارته المختصة في علم الاجتماع أميرة يعقوبي واعتبرته ظاهرة خطيرة متجددة:

موقف منظمة العفو الدولية: 

وضع النساء في تونس اليوم وفق سردية منظمة العفو الدولية غير مرضية, بالنظر لما تعيشه بعض النسوة المعتقلات في السجون بسبب نشاطهن السياسي أو الحقوقي, وهي عينة أخرى من العنف المسلط على النساء من قبل مؤسسات الدولة الرسمية. وهو عنف انقسم إلى نوعين معنوي في شكل ضغوطات و ممارسات تمييزية أو مادي واضح, حيث أكدت سمر سحيق منسقة الحملات و المناصرة بالمنظمة أن هذا الواقع الصعب يتماشى والوضع السياسي القائم في تونس وحتى في العالم, حيث يقع التغافل على حقوق النساء السجينات عموما و الناشطات في المجالين السياسي و المدني والحقوقي والفاعلات في الحياة العامة عموما, إذ أصبحن عرضة للسجن على خلفية نشاطهن وأيضا عرضة للخطابات التمييزية والذكورية أحيانا من أعلى هرم السلطة “رئيس الجمهورية” وفق قولها. ويترافق ذلك مع تعليقات تمييزية أغلبها تشوه النساء الناشطات على مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة. كما أصبح جزء من نواب الشعب بالبرلمان يطلقون تصريحات وتعليقات تمييزية ضد النساء الناشطات بالمجتمع المدني المعارضات للمسار الحالي. و يتعرضون لهرسلة من أشخاص مؤيدين للنظام السياسي دون أن يحاسبهم أحد. 

كما أشارت عضو منظمة العفو الدولية مكتب تونس أن الهرسلة و المضايقات اليوم أصبحت تصدر من أطراف و مؤسسات أمنية و قضائية ضد مجموعة من النساء على خلفية نشاطاتهم الاحتجاجية في الشارع, أو كتابة تدوينات على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي واستغلال المرسوم 54 سيء الذكر وفق توصيفها كأداة لملاحقة عدد من النساء الناشطات. و خطر حقيقي على حرية التعبير والنشاط المدني والسياسي في تونس.

وبخصوص وضعيات السجينات الناشطات منهن خاصة داخل المراكز السجنية وخاصة الناشطات أكد سمر سحيق أن منظمة العفو الدولية تتابع عن كثب أوضاعهن على غرار عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر و الناشطة المدنية شريفة الرياحي والناشطة الحقوقية السجينة المفرج عنها سهام بن سدرين و الإعلامية والمحامية سنية الدهماني التي خصتها المنظمة بتحرك عاجل مؤخرا بسبب الظروف السجنية لها وتأثير ذلك على حالتها الصحية المتدهورة أصلا و نددت بتلك الظروف القاسية التى لا تستقيم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والسجين و تكون الدولة التونسية ملزمة بتوفير شروط المحاكمة العادلة لها، مطالبة بالإفراج عنها فورا.

(تصريح سمر سحيق عضو منظمة العفو الدولية مكتب تونس )

الأسباب العميقة والمباشرة لتواصل ممارسة العنف على النساء

العنف المسلط على النساء اليوم و بإجماع المتخصصين من قانونيين و علماء نفس واجتماع وحقوقيين تأتي أساسا من الفكر الذكوري الأبوي التقليدي الذي يرى المرأة كائنا ناقصا أو مفعول فيه و لا يملك إرادة الفعل و الاختيار ينضاف إليه غض السلطة الطرف في تطبيق القوانين خاصة مبدأ الإفلات من العقاب فسنجد العنف قد تضاعف، وهو التمشي الذي دافعت عنه بشراسة أستاذة علم النفس سندس قربوج و غيرها من المختصين في قضايا الدفاع عن المرأة.

 

في تونس ومع تواصل نضالات المجتمع المدني وخاصة النسويات, تمكنت المؤسسة التشريعية من المصادقة على قانون لمناهضة العنف ضد المرأة  و يحمي النساء من كل أشكال العنف المسلطة عليهن باعتبارهن نساء، من خلال صدور القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 والذي اعتبر حينها “ثوري و مميز” في منطقتنا العربية لتضمنه العديد من التدابير لحماية المعنفات مثلما ذهبت إلى ذلك المحامية و عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منية العابد: 

 فما هي مميزات هذا القانون و نقائصه حيال للنساء المعنفات؟ وهل بالفعل استطاع حماية المرأة من العنف؟ ولماذا استشرت جرائم قتل النساء في السنوات الأخيرة رغم وجود هذا القانون؟  

تقييم قانون عدد 58.. من وجهة نظر قانونية

من جهتها أشارت الناشطة النسوية وعضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المحامية منية العابد أن القانون الأساسي عدد 58 هو قانون استثنائي و متميز على المستوى التشريعي حيث اعتمد على مقاربة أممية تعرفة بالأولويات الأربعة وهي الحماية ثم الوقاية والثالثة المتابعة والتجريم و الرابعة المساعدة والمرافقة القضائية وهي الأولويات جعلت من القانون استثنائي في المنطقة العربية والإفريقية الذي تعرض في محتواه للتمييز ضد النساء و أشكال العنف المسلط عليهن. وهي نتيجة حتمية لنضالات نسوية عبر عقود لمحاربة كل أشكال التمييز و العنف ضد النساء, وقد عرف هذا القانون كل أنواع العنف ومجالاته وهي أول مرة يتم تعريفه قانونيا واصطلاحيا في وثيقة قانونية.( فيديو 3 تصريح لـ منية العابد)

تفشي ظاهرة قتل النساء: خلال في فعالية القانون عدد 58 ومحدودية لبنوده

تعتبر ظاهرة قتل النساء التي ارتفعت معدلاتها في السنوات الأخيرة, ظاهرة خطيرة و استنفرت كل الأجهزة والمتدخلين من أجل فهمها و دراستها، و صياغة الإطار القانوني لمحاربتها والقضاء عليها، بالإضافة إلى وضع برنامج وطني طموح لمرافقة المعنفات والإحاطة بهن نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا.

وفي هذا السياق كشفت عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منية العابد  أن الإحصاءات الأخيرة أكدت أن عدد النساء اللاتي يقتلن كمعدل شهري بين 3 إلى 4 نساء, منذ بداية سنة 2025.

بعد توالي الجرائم ضدهن.. تونس تتخذ إجراءات لحماية النساء ضحايا العنف ( وفق بعض الإحصائيات)

عرفت تونس، خلال الشهور الأخيرة، تصاعدا كبيرا في حالات العنف ضد المرأة، إذ سجلت منظمات حقوقية حوالي 22 جريمة قتل راحت ضحيتها نساء منذ بداية  2024، إلى غاية شهر سبتمبر من نفس السنة، وفق أرقام أصدرتها جمعية “أصوات نساء”و جمعية “المرأة والمواطنة” بالكاف. بينما شهد العام 2023، تسجيل 25 جريمة قتل نساء 71 بالمائة من المتزوجات.

وكان تقرير صادر عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة “الكريديف”، كشف في أواخر سبتمبر الماضي، أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف ضد النساء في تونس. وقد بلغت نسبته 44.4  بالمئة، تلتها نسبة العنف اللفظي بـ26.7 بالمئة، ثم العنف الجنسي بـ15.6 بالمئة، والعنف الاقتصادي بـ11.4  بالمئة، ثم العنف الجسدي بـ5.3 بالمئة، وفق تقرير  “الكريديف”.

وقدرت نسبة الزوجات المعنفات، وفق التقرير واستنادا إلى تصريحات المستجوبات، حوالي 41.8 بالمئة، يليها العنف في الأماكن العمومية بـ 28.1 بالمئة، فيما بلغت نسبة النساء المتعرضات للعنف في الوسطين العائلي والزوجي 58 بالمائة أي أكثر من النصف.

وارتفع عدد مراكز الإيواء، التي تسمى في تونس بـ”مراكز الأمان”، إلى 14 مركزا وطنيا بطاقة استيعاب إجمالية تقدر بـ221 سريرا، في خطوة من السلطات لحماية المعنفات. وتؤمن مراكز الأمان إيواء النساء ضحايا العنف والتعهد بهن اجتماعيا ونفسيا وصحيا والإحاطة بهن ومرافقتهن للخروج من حلقة العنف وإدماجهن في الحياة الاقتصادية.

وكانت وزارة الأسرة والمرأة قد خصصت خلال العام 2024 نحو 300 ألف دولار لتسيير 14 مركزا بالشراكة مع 12 جمعيّة ناشطة في مجال مقاومة العنف ضد المرأة. و وفق إحصائيات سنة 2023, استقبلت تلك المراكز 305 من النساء ضحايا العنف و317 طفلا مرافقا لهنّ، بينما تم في السداسي الأول من العام الجاري إيواء 167 امرأة ضحية عنف و177 طفلا.

وفي مجال التبليغ بقصد الحماية والمتابعة للنساء المعنفات, قامت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بوضع رقم أخضر (1899) للتبليغ عن حالات العنف ضد المرأة والطفل, بهدف تعزيز آليات حماية النساء ضحايا العنف وأبنائهن بمختلف الأشكال و الطرق.

وخلال سنة 2023 وبحسب آخر تحيين شهري بشأن الاحصائيات والمؤشرات المتعلقة برصد حالات العنف المذكورة, تلقى الخط الأخضر حوالي 1669 مكالمة خلال الفترة الممتدة بين 25 أفريل 2023 إلى 25 ماي الماضي 1669 مكالمة. ويعتبر هذا العدد مرة ونصف مقارنة بالفترة السابقة الممتدة من 25 مارس إلى 25 أفريل 2023 التي بلغت 1106 مكالمة. وبحسب البيانات المنشورة  توزعت المكالمات كالآتي:

–  232 مكالمة تتعلق بإشعارات حول العنف ضد المرأة و 740 مكالمة في الإرشاد القانوني و 523 مكالمة خاطئة أو شعب أو تهجم على الخط و 119 مكالمة إدارية و50 مكالمة تهم توضيح مهام الحظ.

–  تتوزع إشعارات العنف ضد المرأة البالغ عددها 232 إلى 193 إشعارا بعنف لفظي و 132 إشعارا عن عنف نفسي ومعنوي و167 مكالمة عن عنف جسدي ومادي و 57 إشعارا عن عنف اقتصادي وله مكالمات بخصوص عنف حسبي ويمثل العنف الزوجي أكبر نسبة تقدر بـ 181 من مجموع حالات العنف ضد المرأة مقابل 172 خلال الفترة السابقة الممتدة من 25 مارس إلى 25 أفريل 2023

– جغرافيا توزعت إشعارات العنف ضد المرأة من كل الولايات تقريبا وبلغ عددها 92 مكالمة من تونس الكبرى حيث شكل أكبر عدد بولاية تونس (35 مكالمة) ثم ولاية بن عروس ( مكالمة 25) ولاية أريانة (22 مكالمة) ولاية منوبة (10 مكالمات) مقابل صفاقس (13 مكالمة) والقيروان (13 مكالمة) والمنستير ( مكالمة 11) على سبيل المثال لا الحصر.

– وبحسب الفئة العمرية توزعت الإتصالات و الإشعارات كالتالي: 27% من النساء ينتمين إلى الفئة العمرية بين 30 سنة و39 سنة (63 حالة) و119 ينتمي إلى الفئة العمرية (40-49 سنة) (44 حالة)، وحسب المستوى التعليمي فإن 18% من النساء ضحايا العنف المتصلات من مستوى تعليمي جامعي (1) حالة) 122 من مستوى تعليمي ثانوي و16% إعدادي وأقل من 15 من الأميات إلى جانب تسجيل خلال الفترة ذاتها نسبة 73 من النساء ضحايا العنف المتصلات هن متزوجات (169) حالة).

– تمكن الخط الأخضر خلال تلك الفترة من توجيه 92 بالمائة من النساء ضحايا العنف إلى مؤسسات أمنية (214 حالة) و155 إلى مؤسسات قضائية (128) حالة) و30% إلى مؤسسات صحية (77) حالة) و19% إلى المندوبيات الجهوية للمتابعة و20% من النساء ضحايا العنف تم توجيه أطفالهن إلى مكتب مندوب حماية الطفولة (47) حالة)

– توزع مجموع المكالمات الواردة على الخط الأخضر 1899 خلال ذات الفترة إلى 505 مكالمة خلال الحصة الصباحية .و494 مكالمة خلال الحصة المسائية بنسبة و700 مكالمة خلال الحصة الليلة. 

المجتمع المدني يعاضد جهود الدولة من خلال إحداث مراكز الإنصات وتوجيه النساء المعنفات: مركزي” أحلام بالحاج ” و “ناجية” نموذجا

في إطار تطوير سياستها في الإحاطة بالنساء نفسيا واجتماعيا و توجيهها توجيها قانونيا وقضائيا واقتصاديا -إن أمكن- عملت بعض منظمات المجتمع المدني على بعث مراكز إنصات خاصة بالنساء المعنفات. على غرار مركز “أحلام بالحاج” التابع “للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” والذي تحدثت عنه رئيسة الجمعية رجاء الدهماني بإطناب.

و تشير رجاء الدهماني رئيسة “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” إلى أن العنف المسلط على النساء في تونس وفق الأرقام المتداولة أو التى تنشرها بعض المراصد المختصة أو في مراكز الإنصات المتعددة سواء التابعة للجمعية أو غيرها من الجمعيات المماثلة مثل جمعية “أصوات نساء” يظهر تفشي الظاهرة اجتماعيا بطريقة خطيرة, مما دفع الجميع سلط رسمية و مجتمع مدني إلى نسج إطار تشريعي يحد من هذا الظاهرة و يحمي المرأة من أي عنف مسلط عليها من أي جهة. معتبرة أن الجمعية التي تترأسها بالتنسيق مع باقي الجمعيات العاملة في الحقل النسوي والجهات الرسمية بذلوا قصار جهدهم لكي يخرج القانون الأساسي عدد 58 بتلك الصياغة المتطورة والثورية التى تتفوق وتتميز فيها على تعريف الأمم المتحدة للعنف وتفاصيله الدقيقة.

 (تصريح رجاء الدهماني فيديو 2: بخصوص تبلور فكرة بعث مركز الانصات: من  0:36 دق إلى 3:31 دق )

 وتؤكد الشارني أنه رغم تميز الصياغة وشموليتها إلا أنه بعد مرور عدة سنوات, اكتشف بعض المشرعين وجود نوع جديد من العنف المسلط على النساء لم يتضمنه قانون عدد 58 وهو العنف السيبرني الذي أصبح ظاهرة فضيعة ومنتشرة في كل مكان و أغلب ضحاياه من النساء.

و تلفت رجاء الشارني إلى أن مركز الإنصات والتوجيه أحلام بلحاج الذي تشرف عليه الجمعية نجحت في رفع قضايا عنف سيبراني وتمكن من انصاف ضحاياه من النساء بفضل جهود المناضلات داخل المركز اللاتي يشتغلن بطريقة تطوعية لصالح النساء المعنفات. و المركز يوفر عدة خدمات لهن اولا الاستقبال و الاستماع لهن و المرافقة و أيضا التوجيه القانوني, والمساندة النفسية للضحايا من أجل تقويتهن و طمأنتهن و محاولة بناء ثقة معهن ليتمكن من التحدث بكل حرية وطمأنينة عن وضعها والعنف المسلط عليها.

  (تصريح رجاء الدهماني فيديو 2: بخصوص تبلور فكرة بعث مركز الانصات: من  3:33 دق إلى 4:18 دق ) + (التصريح 3 للأستاذة منية العابد الفيديو 3 من 0:00 دق إلى 2:42 دق)

مركز الانصات للنساء المعنفات التابع “للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” سعى منذ بعثه في التسعينات لتوفير قدر من التوجيه القانوني للنساء المعنفات,  تأتي هذه المرافقة القانونية بسبب عدم معرفة عدد كبير من النساء لتفاصيل القوانين و طريقة التصرف القانونية حيال عملية العنف التي تسلط عليها. وكيفية المطالبة بحقوقها من المُعنف. 

في هذا الإطار تؤكد بلعابد أن المركز لا يكتفي بالتوجيه القانوني فحسب بل بالمرافقة القضائية للمُعنفات بعد أن تؤكد الأخيرة عزمها مقاضاة المُعنف و تكون مقتنعة  و واعية و مسؤولة عن قرارها.

(تصريح رجاء الدهماني الفيديو2: من 4:19 دق إلى 6:42 دق ) + (تصريح المحامية منية العابد فيديو رقم 1)

تتكون مراحل الاستقبال و الإنصات والتوجيه التي تقوم بها عضوات مركز الإنصات كما توضحه رجاء الدهماني لتوميديا كالتالي, حيث يقع أولا الاستماع إلى أي إمرأة لمعرفة ما تعانيه بقصد توجيهها التوجيه الصحيح و أخبارها إن كان ما سلط عليها يُعد عنفا وفق التعريفات والتصنيفات القانونية أم لا, و ماهو نوع العنف المسلط عليها إن وجد. وتحاول القائمات على المركز من مختلف الإختصاصات الاستماع إليهن وتبسيط القوانين و الإجراءات و تقريبها لفكرهن لفهمها أكثر كي يسطعن المطالبة بحقوقهن.

وعلى مستوى العمل التطبيقي في مرافقة وتوجيه النساء ضحايا العنف أكدت الدهماني ان مركز الانصات لا يشتغل بمفرده بل يعمل بالشراكة مع أطراف أخرى أساسا مع السلطة ومؤسسات الدولة التى تعمل على رفع العنف على النساء مثل الوحدات الأمنية المختصة و مندوبي الطفولة وعدد من الوزارات أهمها وزارة الأسرة والمرأة و وزارة العدل والداخلية. و نطلب عقد لقاءات مع هذه الوزارات لطرح ملفات معينة تعنى بالعنف ضد النساء. 

كما لم تنس رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني التعامل المثمر مع المجتمع المدني و أساسا الجمعيات التى تكمل بعضها البعض في الإحاطة بالمرأة المعنفة مثل الجمعيات المتخصصة في الإيواء على غرار “جمعية بيتي” لتمكين النساء المعنفات من مأوى أو إبعادها عن المعنف الذي يشكل خطرا على حياتها. و في هذا الإطار استقبل المركز خلال شهر رمضان فقط حوالي 35 إمرأة تعرضن للعنف و فتحنا ملفاتهن للمداولة بين عضوات المركز. 

لم تكن “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” وحدها من خاضت تجربة إحداث مركز للإنصات و التوعية والتوجيه للنساء المعنفات و تأهيلهن بل نجد أيضا جمعية “أصوات نساء” التي أحدثت مؤخرا “مركز ناجية”  للإصغاء و توجيه النساء ضحايا العنف. المخصص لتقديم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي للنساء ضحايا العنف الجنسي. ويعتبر المركز الأول من نوعه في المجتمع المدني، ويهدف إلى توفير خدمات شاملة وآمنة للنساء الناجيات من العنف الجنسي، ضمن التزام الجمعية لضمان حصولهن على الدعم اللازم في بيئة متخصصة.

ويعتبر فضاء “ناجية” من الفضاءات الآمنة والسرية للمعطيات الشخصية للنساء المعنفات, من خلال توفير رقم هاتف ( 54542500) مخصص للاتصال النساء اللاتي يحتجن للتوجيه, وفق ما ذكرته وئام الزقلي إحدى المشرفات على المركز.

و كانت الفكرة قد انطلقت في البداية من صفحة على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك وقد تفاعل معها عدد كبير من النساء و تواصلن مع الجمعة عن طريق الصفحة و من هنا  وقع التفكير في إنشاء خلية استماع و بالتدرج وبعد الممارسة العملية توجت “جمعية أصوات نساء” عملها بإنشاء “مركز ناجية” للنساء اللاتي تعرضن لعنف جنسي بصفة خاصة كتوجه اختياري من القائمين على الجمعية. لكن هذا لا يعني أن المركز لا يتواصل مع النساء اللاتي يتعرض لأنواع أخرى من العنف من كامل أنحاء الجمهورية. و يشمل المركز إضافة إلى أقسام خاصة بالاستماع و التوجيه للمرأة المعنفة إحداث أو راديو جمعياتي موجه للنساء المعنفات في تونس وسيدخل حيز الاستغلال قريبا في تجربة فريدة من نوعها في تونس.

لماذا لم يحد القانون 58 من جرائم العنف و القتل ضد النساء رغم دخوله حيز التطبيق منذ سنة 2018 بل إن عدد النساء اللاتي قتلن في ارتفاع سنة بعد أخرى؟

إذ ترى المحامية منية العابد أن السياسة المتبعة في مكافحة العنف على النوع الاجتماعي, المبني على أسس القانون 58 هي سياسة تخدم في مستوى أوسع في التنمية البشرية. ويرجع ذلك أساسا إلى ما جاء في القانون الخاص بمكافحة العنف ضد المرأة. ورغم كل الميزات التي رأفت بنود القانون إلا أنه خلال عملية التطبيق الفعلي للقانون تشير العابد إلى وجود عدة صعوبات أبرزها انعدام الإرادة السياسية للسلطة في فرض هذا القانون بحذافيره, وغياب التنسيق بين الأطراف المتداخلة في عملية حماية المرأة من العنف ومكافحته لا ترتقي إلى ما جاء به القانون 58. والسبب الثاني بحسب منية العابد هو المسألة الإجتماعية التي تطبع مع العنف ضد المرأة. 

كما تحدثت عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن غياب سياسة إعلامية واضحة للتحسيس بهذه الظاهرة الخطيرة داخل المجتمع رغم أن الفصل 11 من القانون الأساسي عدد 58 الذي يعطي دورا مهما لوسائل الإعلام نحو تغيير الصورة النمطية للمرأة من خلال برامج توعوية و تحسيسية بخصوص المساواة بين الجنسين ومكافحة العنف.

وتعول العابد على عدة جهات لإدخال بعض التعديلات على القانون 58 ليواكب المرحلة الحالية خاصة في شقين: الأول إضافة معطى العنف السيبراني الذي ترافق مع انتشار وسائل التواصل الإجتماعي والثاني إيجاد آليات لتطبيق فاعل لبنود القانون خاصة في مستويات الحماية والوقاية والمتابعة والتجريم و المساعدة والمرافقة القضائية. من خلال السلط الرسمية متمثلة في البرلمان أو مبادرات تشريعية من السلطة التنفيذية وبضغط أيضا من المجتمع المدني الذي يشتغل على هذه المسألة ويعايشها واقعيا و تطبيقيا من خلال الحالات التي يباشرها من النساء المعنفات. وجهة نظر تطابقت مع ما ذهبت إليه المختصة في علم النفس سندس قربوج حيث رأت أن تواصل انتشار العنف وجرائم تقتيل النساء أصبح عنوانا لتقصير الجانب التشريعي والتنفيذي في حمايتهن من هذه الظاهرة و مجالا للانتقاد من قبل منظمات حقوق الإنسان والناشطات النسويات. إذ رغم وجود القانون 58 و الإجراءات العملية لحماية المرأة من العنف المسلط عليها. وفي هذا المجال دعت قربوج كافة المتدخلين للعمل على تقييم المخاطر التى تحيق بالمرأة المعنفة للوصول إلى تحسين حياة المرأة الناجية من العنف المسلط عليها لتستطيع مواصلة حياتها دون اكسار أوتبعات ما بعد الصدمة.

ماهي الحلول الممكنة لحماية المرأة من العنف أو مرافقة ومتابعة تلك الناجية من العنف

من خلال متابعة قانونية دقيقة لفصول وبنود القانون الأساسي عدد 58 لمكافحة العنف ضد النساء أكدت عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات و المحامية منية العابد أن هذا القانون قابل للتنقيح والتجديد كي يتلاءم مع كل نماذج العنف المسلط على النوع الإجتماعي خاصة منها الطارئة والمستحدثة و ذلك من خلال جهود المؤسسة التشريعية. منتقدة في ذات الوقت الدور الضعيف للمرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة التابع لوزارة الأسرة والمرأة والطفولة      و كبار السن. وفي ذات السياق شددت المختصة في علم الإجتماع أميرة اليعقوبي على أن المجتمع المدني قادر أن يكون قوة اقتراح و ضغط في نفس الوقت للدفع نحو مزيد التنصيص على فصول تحمي النساء من العنف و تكرس الحماية و الوقاية والمتابعة للمرأة المعنفة.

ما زالت الجهود الرامية إلى حماية المرأة من العنف المسلط عليها مستمرة, رغم الجهود المبذولة من الجهات الرسمية و المجتمع المدني والحقوقيين النسويين. ودرجة الوعي المتنامية بحقوق المرأة ومحوريتها في الحياة العامة. و تطمح النساء اليوم إلى إقامة مجتمع متوازن وعادل و متساو خال من أي مظاهر العنف بسبب النوع الإجتماعي أو جرائم قتل النساء من خلال المساهمة الجماعية الفاعلة على الصعيد السياسي والقانوني والتربوي والإعلامي و التحسيسي كي تتظافر جهود الجميع لدمج المرأة في المجتمع كي تكون فاعلة وصاحبة قرار.

Authors

  • صحفي متخرج من معهد الصحافة وعلوم الاخبار متخصص في الشؤون السياسية

    View all posts
  • مؤسسة ومديرة موقع تونس ميديا، أستاذية في الصحافة وعلوم الأخبار صحافية استقصائية، متخصصة في تحقيقات قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان مدربة في الصحافة وقضايا الجندر ومكافحة الأخبار الزائفة.

    View all posts

طارق طرابلسي

صحفي متخرج من معهد الصحافة وعلوم الاخبار متخصص في الشؤون السياسية

خولة بوكريم

مؤسسة ومديرة موقع تونس ميديا، أستاذية في الصحافة وعلوم الأخبار صحافية استقصائية، متخصصة في تحقيقات قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان مدربة في الصحافة وقضايا الجندر ومكافحة الأخبار الزائفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى