الرميلي وكشكار وحلواس…أو كيف تصنع من “الرافل” خشبة لعرض الإبداع عبر الأدوار المركبة

بملامح شركسية أوراسية واضحة،وبأداء مسرحي طاغ, هكذا يتقمص أدواره الدرامية و السينمائية، ممثل يبدو في عقده الرابع من العمر, لكن طريقته في التقمص وتجسيد الأدوار تضيف له عقود كثيرة من التجارب المهنية والتألق الدرامي. إنه الممثل التونسي المتميز أسامة كشكار، أحد أبرز نجوم دراما رمضان للموسم الحالي 2025.
جسد دور رعد في مسلسل “الرافل” الذي بث هذه السنة حصريا على القناة الوطنية الأولى وكانت بطولة مشتركة مع الممثل المبدع صادق حلواس.
منذ الوهلة الأولى لظهور أسامة أو “رعد” في المسلسل. يمكنك أن تلاحظ خلطة عجيبة في تركيبته النفسية و الأدائية مزيج من الشر والخير ترتسم على ملامحه الخارجية, خليط من قوة الشخصية والشكيمة في نبرة كلامه و نظرات عينيه و لكنه يرتد بسرعة إلى حمل وديع و منبع للحنان الكوني, ودموع تنهمر لا تتوقف أمام موقف إنساني أو اجتماعي بسيط. مجموعة من الأحاسيس و المشاعر تتصارع داخل بوتقة فنية مرهفة الحس الفني , تتظافر جميعها لتصنع ممثلا قادرا أن يكون صاحب الهيمنة الدرامية لو توفرت القدرة الإنتاجية و الكتابية. لأنه يملك كل الوسائط الفنية التعبيرية.
أسامة كشكار ليس تحفة فنية تمثيلية بقدر ما هو فنان اللحظة الدرامية, يعطي لكل موقف ودور مقداره من ميزان الأحاسيس و التقمص العفوي, مما يضفي مزيدا من المصداقية العالية خلال الأداء, ممثل شغوف بالركح أحب المسرح واختاره طريقا النجاح لنحت ذاته الفنية والابداعية.
وهو ما أجمع عليه أغلب النقاد الفنيين خاصة في التنافس الفني الكبير الذي ظهر أمام شركاء أسامة في البطولة صادق حلواس الذي غير أدواره 360 درجة حيث فرض نفسه كمنافس حقيقي في الأدوار العميقة. ليخرج من الأدوار الكلاسيكية التى أجبرته على تجسيد أدوار المجرم أو الرجل العصبي و المعتمد على بنيته الجسدية و رخامة صوته. كل هذا تغير لصادق حلواس مع وجود وحش تمثيل أمامه إسمه أسامة كشكار. ثم البطل الثاني الممثل العبقري مهذب الرميلي صاحب أعلى منسوب من التعبيرات الجسدية و اللفظية والأحاسيس الفياضة المتناقضة في تجسيد أدواره, خاصة تلك التي يكون فيها الأداء مرتكز أساسا على إبراز كم المشاعر و المعاناة أو الفرح أو الغضب فمهذب يبدع في هذه المساحات الفنية.
و بما أن ثلاثتهم من الممثلين المسرحيين الحالمين والمتجذرين، فقد أصبح التنافس بينهم سيد الموقف. ليكون مسلسل الرافل الذي استمد كاتبوه قصته من حادثة واقعية. إلى تجسيد أقرب للواقعية الاجتماعية المعاشة, وهي الخصوصية التي تضاف لأي عمل درامي تكون قصته واقعية يكتسب تلقائيا أبعادا عميقة لدى المتفرج و أحاسيس و انطباعات قريبة من قصص الناس اليومية باعتبارها قصة حقيقية. وهذا في الحقيقة ميزة تلك المسلسلات مقارنة بالمسلسلات العادية التى يقع تأليفها تبعا لرؤية الكاتب.
“الرافل” منحت للمثل أسامة كشكار فرصة البروز باعتباره يعشق الأدوار المركبة. وهي خصلة يتميز بها عادة ممثلي المسرح المتشبعين بالتقمص العميق في داخل الشخصيات خاصة منها المليئة بالأضداد و التغيرات المتواترة في الحالة التمثيلية. وهذا يفهمه صناع الفن والنقاد وأهل المهنة. وهذا العمل وفق رواية المخرج ربيع التكالي أحداثه حقيقية وأبطاله الحقيقيين عايشوا تلك الأحداث في الحياة. لذلك كان العمل مليء بالواقعية والتراجيديا الموغلة في النوستالجيا النفسية و الحياتية لأي شخص يتابعه.
أسامة كشكار ممثل و كوريغراف, يتقن التلون في الأداء والأدوار و قادر على تقمص أصعبها، عرفه جمهور الدراما التونسية منذ الموسم الرمضاني العام 2020 بمسلسل “حرقة” في جزأية. ونجح في شخصية “عياد” وابدع في نحتها، ثم خاض كشكار السباق الرمضاني للموسم 2023 بدور جديد في مسلسل “الجبل الأحمر” للمخرج ربيع التكالي. و كأن أسامة و ربيع سيكونا مستقبلا ثنائيا للإبداع و التميز. على غرار الثنائي في الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة و اسماعيل عبد الحافظ هو مجرد تشبيه للثنائيات الفنية التى عندما تلتقي تحدث الفارق.
وفي هذا الصدد ذكر كشكار في أحد لقاءاته التلفزيونية أن المخرج ربيع التكالي استطاع جمع أجيال مختلفة من الممثلين في عمل واحد و بأنماط تمثيلية مختلفة. وأنه وجد كل الدعم من زملائه الممثلين.
أسامة كشكار اعتبر في ذات اللقاء أن شخصية “رعد” التى جسدها في مسلسل “الرافل” تمثل نقلة نوعية في مسيرته الفنية ومن الأدوار المهمة جدا التي تقمصها، وأن المخرج كان له الدور الأبرز في فهم شخصية أسامة وعليه استطاع إخراج هذا الكم من الإبداع والتقمص للشخصية.
العمل الدرامي “رافل” تمكن من شد إنتباه الجمهور منذ حلقته الأولى. كما تصدر هذا العمل محرك البحث على صفحات التواصل الإجتماعي. مما يبرز قيمة العمل و نجاح صناعه في إيصال رسالتهم للمتابعين عبر نخبة من الممثلين والتقنيين دون إغفال القصة والسيناريو التى برع فيها مجموعة من الكتاب الشباب بعد تحويل قصة حقيقية مأخوذة من الملفات الأمنية إلى عمل درامي عالي الجودة التمثيلية والاخراجية بقيادة مايسترو العمل ربيع التكالي.
اسامة كشكار “غول التمثيل” القادم على ظهر جواده المسرحي الحالم، في رصيده العديد من الأعمال الناجحة على غرار “الشقف” مع الراحل عز الدين قنون، و “حرقة” كما على جائزة أفضل ممثل في مسرحية “آخر مرة” لوفاء الطبوبي.