
بدت القاعة هادئة في البداية, ثم بدأ الضجيج و الهمسات تعلو شيئا فشيئا, داخل قاعة الجلسة عدد 6 الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، لتكسر جدار الصمت الأول. لتنطلق مرافعة عضو هيئة الدفاع عن المسجونين السياسيين في قضية “التآمر على أمن الدولة” سمير ديلو. حيث حضر القضاة والمحامون و غاب عنها المتهمون.
يتوجه ديلو لرئيس الجلسة و الحضور بالقول:” هذه ليست مرافعة في الشكل هذه مجرد ملاحظات أولية أسوقها .. و سأعود بعد قليل للتعليق على الشكل (المحاكمة).
بياية وجه سمير ديلو تحية لزملائه (يقصد من المحامين المسجونين) الذين حيل بينهم و بين الدفاع عن أنفسهم ويتلو أسماءهم:
الأستاذ غازي العيادي
الأستاذ رضا بلحاج
الأستاذ نورالدين البحيري
( ثم يتوجه بتحية خاصة للمحامية بشرى بلحاج حميدة المهجرة قسريا التى منعت قسرا و ظلما و عدوانا من الحضور والدفاع عن نفسها)
و يواصل ديلو في الحديث عن زملائه المحامين المظلومين:
الأستاذ العياشي الهمامي
و أحمد نجيب الشابي
و الأزهر العكرمي ..الذين أحيي شجاعتهم و يتحول للهجة الدارجة ليتوجه للحضور بالقول (هاو القاعة الكل كانت تسمع فيهم وقت كانوا يتكلموا يشرفوا المحاماة و يشرفوا نخبة البلاد)
يوصل ديلو في توجيه الكلام لرئيس الجلسة بخصوص ملاحظاته:
الملاحظة الثانية أبدأها بسؤال: هل لهيئة المحكمة الماثلة أمام الجميع هل لها الولاية الحصرية على الملف؟ الملف الذي أمامكم (يقولها بالفرنسية boite d’archives تحكموا فيه أم لا)
ثم يعقب بالقول:” مانيش منتظر منكم جواب!” لأني أملك الجواب فالجواب جاء عن طريق زميلي الأستاذ شوشان ( محامي أخر )
يستمر المحامي سمير ديلو في سرد بعض المعلومات فيقول لرئيس الجلسة: عندما كان لكم القرار في الملف طلب منكم فاستجبتم بارك الله فيكم ولكن عندما خرج القرار من مسؤوليتكم ( قالها بالدارجة وقت القرار خرج من بين يديكم ) اغتصبه غيركم و نفذه بشكل مخالف للقانون.
في هذه اللحظة قرر ديلو توجيه سؤال مباشر للقاضي: لو أسأل سيادتكم هل الظروف التى تجرى فيها المحاكمة هل بسبب الخطر المُلم أم بسبب الخطر الحقيقي؟
من اتخذ هذا القرار ( يقصد قرار المحاكمة عن بعد) منتحل صفة المحكمة لماذا؟ ثم يجيب بنفسه .. لأنه لما نضع الأحكام القضائية أمامنا و نجد عبارة المحكمة فهذا يعني أن رئاسة الدائرة هي من يصدر الحكم وليس رئيسة المحكمة الإبتدائية بتونس التى تتلقى التعليمات مباشرة من وزارة العدل. في حين أن المفروض (يقولها بتشنج كبير المفروووووووووض) أن هيئة المحكمة الموجودة حاليا لا تتلقى التعليمات من أي طرف. إلا من ضميرها و من القانون و من الدستور.
يطرح سمير ديلو سؤال استنكاري مبطن غير قابل للتحقق وبالدارجة ( ينجمش واحد يسئلني في القاعة هذه شنوة الخطر؟ مع إمكانية وجود فرضيات طرحها)
إذا كان هناك خطرا حقيقيا مثلما تفضلت به السيدة رئيسة المحكمة بعد استشارة النيابة العمومية. فالخطر الحقيقي لا يبيح لها تنظيم المحاكمة عن بعد و إنما إقرار المحاكمة السرية عندها يمكن عدم أخذ موافقة المتهمين.بينما هي قالت ( يقصد رئيسة المحكمة) خطر حقيقي واستعملت محاكمة عن بعد. متسائلا بالدارجة (أش معناها؟) هذه حالة الخطر الملم الذي يستوجب أساسا اتخاذ القرار كتابيا وة معللا و بموافقة المتهمين. و لكن لا يوجد ما يفيد هذا الشكل.( ماعندكمش)
ثم يواصل ديلو طرح الأسئلة على هيئة المحكمة:
إذا كان هذا الخطر متعلق بالمتهمين خوفا منهم أو عليهم (يخرج عن السياق ليفسر عبر سرد مثال ..) فالسيد الفرجاني جلبوه من سجن المسعدين مرورا بالطريق السيارة. وتوقفت سيارة السجن في حاجز الإستخلاص, ثم واصلت المسار لغاية المحكمة و من هنا يمكن القول أن المتهمين لا يمثلون خطرا. فهل المشكل الحقيقي في شهر مارس لأن القرار يقول أن كل القضايا منشورة في شهر مارس (فيرد بنفسه أيضا لا). المشكل مفتوحة في الزمن .
يواصل عضو هيئة الدفاع سمير ديلو فيقول: هذا الخطر فريد من نوعه في العالم (يقولها باستهزاء) هذا خطر تهديد نووي لمادا. ويسترسل بالقول: لأنه حتى يتم البت في القضية هناكا قضايا أخرى بتت فيها هذه الدائرة (فيعرفها بأنها الدائرة الخامسة) انتظرت 10 سنوات في الوقت الذي لم يوجد سبب يجعلها تتأخر لـ 10 سنوات (تبقى عن بعد يقولها باستغراب)
يواصل ديلو طرح الفرضيات عن سبب إقرار محاكمة عن بعد فيقول: هل المشكل في مقر المحكمة الإبتدائية بتونس و يمكن أن تمثل خطر ليجيب بكل قوة و ثقة ( بالطبيعة لا). ويتساءل في نفس الوقت (علاش) لأن اليوم إثنين يوم مبارك و العناصر الأمنية الموجودة في بوابة المحكمة لن يسمحوا بمرور أي شخص و يسألون كل الداخلين لمقر المحكمة عن سبب حضورهم و يرد البعض بأنه أتى لقضية التآمر فيسمحون له بالدخول. ( في هذا الوقت تعلو الضحكات داخل القاعة بسبب استهزاء ديلو بالحجج التي يمكن تصورها لمنع انعقاد جلسة حضورية وعلنية ).
و أضاف ديلو أنه وقع تقديم شخص في برنامج تلفزي بقناة تلفزيونية خاصة ليطمئن المشاهدين بالقول أن الجلسة ستكون علنية و سيسمح للإعلام بنقلها. و شخص أخر في قناة فرنسية أكد أن الجلسة ستكون علنية. متسائلا هؤلاء الأشخاص هل هم ناطقون باسم هيئة المحكمة أم ماذا؟ . و وجه كلامه لرئيس المحكمة من يحكم في هذه الجلسة ألستم أنتم ؟. (مجيبا بنفسه .. إلى حد الآن لا).
و واصل سمير ديلو المحاججة بالقول لذلك السبب عندما نتكمل و نجرح يشرح باللهجة العامية ( موش حديث شخص لشخص ) نحن ( المحامون) ندافع عن بلد و دولة ولا ندافع عن أشخاص و يسميهم ( أحمد نجيب الشابي الي يدافع عن الحقوق والحريات قبل ما نتولد أنا )
ويوصل عضو هيئة الدفاع عن المسجونين السياسيين في الترافع بكل قوة و يقول: أنا اليوم أدافع عن بلادي لأنها تستحق أفضل مما يوجد الآن. و يستغرب كيف يسمح لمحامين بالترافع في قضية كبيرة متهمون فيها أشخاص بتهريب كميات كبيرة من المخدرات و بحضور المتهمين في حين لا يسمح في هذه القضية. متسائلا هل هذه القضية أخطر من قضية المخدرات.
يسوق ديلو الملاحظة الثالثة ويقول بأن هذه القضية بها سردية وحيدة هي السردية المقدمة من قبل هيئة الدفاع عن القادة السياسيين المعتقلين ظلما. في المقابل السلطة السياسية ( مؤكدا أنه لا يتكلم عن القضاء ) وجدت حلا وحيدا هو التعتيم و الترهيب.
التعتيم كان بواسطة إعلان ينتحل صفة قرار. و الذي أصدره حاكم التحقيق بالمكتب 36. واليوم في حقيقة الأمر هو إعلان موجه من قاضي التحقيق إلى رئيس الهيئة للإتصال السمعي البصري الموجود حاليا بمنزله ( بعد تعطيل الهيئة ).
و يواصل ديلو كلامه بالقول المشكل في هذه القضية أن من لفقها يعرف كيف يسرق لكنه لا يعرف كيف يواري و يخبأ ما سرق. لديه سلطة كي يختطف المواطنين من منازلهم (و يعكي بعض الامثلة). يُعتقل خيام التركي فجرا و يختطف الأستاذ العكرمي من مزله أيضا في الليل.
وبلغة استهزائية يشرح سمير ديلو كيف ان المخبر أكس أكس و المخبر إكس إكس إكس يعرفهم القاصي والداني. فقامت السلطة بحجز هويته و عدم إظهارها بينما أخذو بصمته بالمقابل. وبعد طلب فحص البصمة وجدت أنها تابعة لشخص وحيد والموجود حاليا في سجن المرناقية. و يقولها بلهجة دارجة واضحة و ثابتة ( هاني ما قلتش إسمو لعدم كشف هويته أما كان نقول الحرف الأول من إسمو أتو الناس الكل تكمل الباقي و تتعالى أصوات من في القاعة بإسم الشخص).
و يوصل ديلو سرد الوقائع ليتكلم عن المخبر الثاني وهو من المقربين و المرضى عليهم وهو شخص متورط في جرائم مخلة بالشرف ( يكررها مرتين). ويتسائل كيف لشخص متورط بجرائم مخلة بالشرف يقدم شهادة في أشخاص شرفاء وهذا ليس له معنى.
يقول سمير ديلو:
عندما أنظر لصحبي عتيق و سيد الفرجاني و الأستاذ نور الدين البحري ماهو الفرق بينهما جميعهم متساوين(كلهم كيف كيف). ثم يقع الإتيان بهذا المخبر ويقوم بخلطة عجيبة تجمع عدة وجوه و شخصيات رجال أعمال و مالك إذاعة خاصة و مدون و مواطنون يعيشون بالخارج. بأوامر من جهات معينة
و بخصوص الملاحظة الرابعة يؤكد عضو هيئة الدفاع سمير ديلو أن أمام هذه الوقائع قلت أمام البعض ( ربما قصد أعضاء هيئة الدفاع زملاؤه ) قال أنه ضرب لهم مثلا: “كان جالسا فانتصب قائما مقبل الجدار.” (تعالت الضحكات في القاعة) و يواصل بالدارجة: (توا يا رسول الله شنوة كان يعيب أن الجلسة هذه الي هي من أكبر القضايا في تاريخ البلاد موش في خطورتها على أمن البلاد في خطورتها على الحريات وو الحقوق و سمعة البلاد).
و يواصل ديلو أن ما يشوه صمعة البلاد ليس الذي يتحدث عن الإستبداد أو انقلاب أو فساد هو الفاسد والانقلابي و المستبد والسارق. مثلما تعودنا قبل الثورة عندما يقال لمن يتحدث عن التعذيب يشوه صمعة البلد متسائلا من يشوه صمعة البلاد التعذيب في حد ذاته أو من يشهر به. و يواصل متسائل ماذا لو كانت هذه الجلسة في قاعة كبيرة و وقع جلب المتهمين جوهر بن مبارك و الأستاذ غازي الشواشي و الأستاذ رضا بلحاج و الأستاذ نور الدين البحيري و سيد الفرجاني و الصحبي عتيق. هل هناك ما يخجل تسائل سمير ديلو ؟ فلوكانوا حضروا فسينظروا في عيون الحاضرين و يدافعوا عن أنفسهم ولا يخجلوا لأنهم فعلوا شيء يشرفهم.
و كان صوت ديلو يعلو كلما تطرق لمسألة الجوانب القانونية و محاولات خرق القانون ضد أي متهم. وهنا ذكر رئيس الجلسة أن لا يتطوه المحامون بالعشرات و المآت إلا في قضايا الحريات. متسائلا هل رأيت يوما محامون متطوعون للدفاع عن قضايا مخلة بالشرف. ما يخل بالشرف هو من يرمي أشخاص في السجون لمدة سنتين و يخرق الإجراءات كي يبقيهم رهائن للسجان. في حالة احتجاز. من لا يخاف من القانون و من الدستور و ما يكتبه التاريخ عنه بعد مرور الزمن و خاصة ( كررها 3 مرات ) من دعوات المظلومين و عائلاتهم وذكر أسماء زوجات الموقوفين (منية و زينب و خديجة معتذرا لعدم ذكر كافة الزوجات). هذا هو المخجل.
وتوجه سمير ديلو للقاضي رئيس الجلسة و سرد قصة وقعت سنة 1974 عند محاكمة بعض المعارضين و أرادت السلطة القضائية أن تعقد جلسة سرية احتج المتهمون على السرية متعللين بأنهم لم يقترفوا جريمة ولا يخجلون مما فعلوه. و عندها توجه عضو هيئة الدفاع بالقول أنه عندما يكون القاضي مستقلا ولا سلطان عليه إلا ضميره. فانظر ماذا فعل القاضي لقد فتح الباب و سمح ل1500 شخص بالدخول للقاعة حضروا المحاكمة. متسائلا لماذا نحن في تونس لم نعد نحتمل بعضنا البعض. ويجيب لسبب بسيط جدا لأن من قام باتخاذ قرار منع التداول كي لا يقع التطرق للقضية شعبيا فإن من يلفق و يدلس هو من يفتح أمره. يجلس الآن و يقوم بتقديم خدمات ما بعد البيع (قالها بالفرنسية). ستظهر الحقيقة ولكن ليس بطريقة قراءة وثائق مدلسة متسائلا عن مدى علم هيئة المحكمة بما ورد في أحد القنوات التلفزية الخاصة الموالية للنظام التى دلست وثائق ومن زود بها القناة و هل تتلى مثل تلك الوثائق في برنامج أسئلة عديدة طرحها عضو هيئة الدفاع سمير ديلو على الحاضرين دون وجود إجابات.
يتبع….نواصل نشر المرافعات طيلة شهر مارس 2025 في قضية “التآمر على امن الدولة”