حسين طارق:
أعلن الكاتب أحمد بن سليمان الخميس 12 ديسمبر 2024 انتهاء مسيرته الأدبية والفكرية بحرق كتبه و شهاداته الجامعية احتجاجا على التتبعات والتضييقات التي يمارسها أحد المسؤولين بالمجال الثقافي عليه دون تسميته. بسبب كتاباته والرموز الفكرية والإيحائية التى يستعملها في تلك المؤلفات.
أحمد بن سليمان شرح المظلمة التى يعيشها من خلال كلمة مسجلة على حسابه الرسمي على موقع فايسبوك حملة عنوان ” النهاية نهايتي .. تصبحون على وطن” وقام بشرح الأسباب التى أدت به إلى اتخاذ هذا القرار الصعب في مسيرته الإبداعية والمهنية. حيث أكّد أن الوقائع والضغطات انطلقت بروايته التى صدرت منذ مدة بعنوان” مملكة الحمير” و كان اعتراض هذا المسؤول واسشاطه غضبا من هذه الرواية كلامها و الرموز التى احتوتها و دلالاتها و مقاصدها و ما وراء السطور التى أراد الكاتب تضمينه داخل مؤلفه. وهي الأساليب والضغوطات التى رفض بن سليمان أن تمارس عليه جملة وتفصيلا .
وفي هذا السياق اعتبر الكاتب أن الأدب والفكر لا يمكن الحجر عليهما مهما كانت الدوافع والأسباب ايمانا منه بحرية التحليق في الفضاء الكوني و الانساني حين الكتابة وليس لشخص أو جهة أحقية في محاسبة الكتاب والشعراء و المبدعين مساءلتهم عن مضامين أيحائية أو رمزية تضمنتها ابداعاتهم. فوفق رأيه يحتفظ الكاتب بحرية إختيار الصور الأدبية والشعرية في كتاباته و للقارئ كامل الحرية في تفسيرها و تأويلها بالشكل الذي يراه مناسبا. واعتبر بن سليمان أنّ مساءلة أي مبدع عن رموزه و صوره لا تجوز قانونيا ولا أخلاقيا. باعبارها تصرفات قروسطية لا تتناسب مع عصرنا هذا, لأن الانسانية تحررت من تلك القيود منذ قرون.
واستطرد الأديب أحمد بن سليمان في شرحه لاختياراته الأدبية والأجناس التى يعتمدها في الكتابة قائلا أن “مملكة الحمير”مثلا تنتمي لجنس الفانتازيا الأدبية وهي جنس يتسم بعدم الواقعية واللازمان واللامكان كما تتميز بالخصوصية التفسيريةفذا الجنس الأدبي يحتمل قراءتين إحداها اسقاطية على الواقع وأخرى تحتمل إسقاط الواقع عليها تناظر عكسي في القراءة والتفسير بحسب الضرورة الأدبية والفكرية.
وأضاف بن سليمان أنّ نصه الذي يساءل عنه و يتعرض بسببه للمضايقات هو في الأصل نص ينتمى إلى الأدب العالمي وتحديدا الأدب الهندي قام هو بتعريبه و تونسته ليكون أحد المبدعين في هذا النمط من الأجناس.
ويواصل الأديب و الروائي أحمد بن سلمان سرد مشكلته التى تفاقمت بعد أن غضب أحد المسؤولين بالمجال الثقافي بسبب كتاباته و تلك الرموز التى يستعملها و قام باستدعائه و فتح تحقيق و استجوابات متكررة عن مقاصد الكاتب و دلالات تلك الرموز وما إذا كان يقصد بها أحد رموز السلطة أم لا؟ و بحسب كلمة بن سليمان المسجلة يفهم منها أن هذا الشخص هو أحد المتملقين لسياسيين من ذوي النفوذ وأراد المزايدة من خلال البحث والغوص في روايات و مؤلفات أحمد بن سليمان. وهو السبب الذي جعل الأخير يرفض رفضا قاطعا طريقة هذا المسؤول و أهدافه من التضييق عليه.
ذكر بن سليمان أنه ولفض الإشكال قدم نصه ليحكم عليه مجموعة من الأدباء المتخصصين وأكد أنهم أجمعوا أن الرواية لا يقصد من ورائها شخص محدد بل هي نماذج ورموز يمكن وجودها في كل زمان و مكان. وبعد رفع الإلتباس وأي شبهة لتشويه الأخرين من خلال الكتابات الأدبية. أكد بن سليمان أنه مستعد للمساءلة القضائية إن لزم الأمر لكن التضيق عليه من قبل مسؤولين مأتاه حقد أو تملق للساسة أو تسجيل نقاط على حساب الأخيرين فقد أعتبره مرفوض ولن يستسلم له.
وخلال كلمته التى نشرها أحمد بن سليمان على صفحته الخاصة انتقد بشدة سكوت المسؤولين بسلطة الإشراف عن ممارسات اللأخلاقية لذلك المسؤول مستغلا منصبه لمحاسبة ومحاكمة الأدباء والمفكرين الذين يثرون المكتبات بمؤلفاتهم. في المقابل يضع هذا المسؤول كل العقبات أمامهم و يمارس عليهم عقده النفسية و التسلطية دون حجج أو براهين وهي ممارسات خلناها انقضت وولت مع عقود الستينيات و السبعينيات.
وشدد بن سليمان في ختام كلمته على تمسكه بموقفه بعدم الخضوع لأي مساءلة عن أفكاره الحرة ولا عن الرموز التي يستعملها لأنها جزء من أدواته الإبداعية. مقدما اعتذاراته لجمهوره وأحبائه وأسرته وكل من كان يقرأ له أو يتابع كتاباته أنه اختار إنهاء مسيرته قبل أوانها.
الإشكال الذي تعرّض له الأديب أحمد بن سليمان يعود ليذكرنا بوضعية عامة وشاملة يتعرض لها المبدعون والمتفوقون في تونس إما بالتضييقات أو بالتهميش مما يفتح الباب واسعا لمغادرتهم أرض الوطن ويكونوا معول بناء و تشييد لدول أخرى أو عاطلين عن العمل و عبئ على المجتمع والدولة. ويبقى الأمل في انصاف كل مبدع و مفكر وعالم يمكن أن تستفيد منه الدولة والإنسانية. فهل يسمع كلمات الكاتب والروائي أحمد بن سليمان من به صمم ؟؟؟…