في الذكرى الـ 76 لليوم العالمي لحقوق الإنسان يمرّ العالم بفترة عصيبة. سببها فقدان جزء من الشعوب لحرياتهم و حقوقهم المشروعة سواء أكانت معيشية كحق التنقل والعمل والصحة والتعليم …وغيرها من الحقوق أو الحقوق السياسية والقانونية كحق التعبير والتنظم والانخراط في العمل السياسي والمحاكمة العادلة وغيرها من الحقوق الأخرى. فما يعرف بالمجتمع الدولي مازال يتعامل مع الدول والشعوب بعدة مكاييل تبعا لموازين القوى والمصالح الذاتية والقومية والإستراتيجية.
وضعية جعلت بنود وفصول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صيغ بالعاصمة الإيطالية روما سنة 1948 واعتبر إطارا مشتركا لحماية حقوق الإنسان عالميا ودون تمييز أصبح هذا الوعاء مفرغا من محتواه أمام ما يحدث من خروقات لأبسط مبادئه ودلالاته الكونية. فنجد القوى الكبرى وبعض الحكومات تنتهك حقوق الإنسان انتهاكا ممنهجا و بأطر قانونية في أحيان كثيرة دون الخوف من المحاسبة أو العقاب.
وخير دليل على ذلك الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية وخاصة الدمار الواسع الذي أصاب قطاع غزة من قبل كيان الإحتلال وحلفائه الغربيين و ما حصل في سوريا وكمية الانتهاكات البشعة لأبسط حقوق الإنسان وهو حق الحياة حيث وقع إبادة مئات آلاف السوريين وتشريد ملايين خارج بلادهم أو في المناطق النائية بالإضافة إلى اعتقال عشرات الآلاف و تعذيبهم في مسالخ بشرية لم تتضح معالمها بعد لشدة بشاعتها والانتهاك الواسع لحقوق الناس والتحكم في مصيرهم لدرجة تفوق الإستعباد بمراحل.
تونس ليست استثناءا حيث عاشت بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد خلال فترة حكمه الأولى بتاريخ 25 من جويلية 2021 وما تلاها من فرض إجراءات استثنائية مكنته من الاستيلاء على كافة السلطات و تدجينها لمصلحة حكمه ومواجهته لمعارضيه بالقمع والاعتقال والترهيب وذلك باستعمال القوة الصلبة و مساندة جهاز قضائي معين وتغييب كامل كل أجهزة الرقابة الدستورية التى أنتجها الشعب التونسي خلال تجربة الانتقال الديمقراطي التي قضى عليها الرئيس الحالي قيس سعيد بعد فرض إجراءاته الإستثنائية في حينه.
اليوم وبمناسبة الذكرى 76 لليوم العالمي لحقوق الإنسان مازال بعض التونسيين يؤمنون بالتغيير سلميا فخرجت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في وقفة تضامنية مطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين في السجون من سياسيين و صحفيين ومدونين ورجال أعمال أغلبهم يعاني من ظروف احتجاز سيّئة بعيدا عن ذويهم لمجرد معارضتهم للسلطة القائمة.
أوضاع وصفتها منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته السنة الماضية بالخطيرة وذلك بعد “أن جرّد الرئيس قيس سعيّد التونسيين من الحريات الأساسية التي كافحوا من أجلها كفاحا مريرا لنيلها”. الآراء اختلفت اليوم خلال الوقفة التضامنية مع معتقلي الرأي داخل السجون بين معارضي النظام وداعميه. بين من يرى أن تونس مقبلة على عصر دكتاتوري مظلم في غياب تام لأفق تصالحي يجمع كافة الأطياف التونسية وبين من يرى ان البلاد تكفل حقوق مواطنيها بالقانون ومن يدعي غير ذلك فهو مجانب للحقيقة.
رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة محمد نجيب الشابي رأى أنّ الجبهة متمسكة بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين و استرجاع الشرعية الوطنية والمؤسسات الديمقراطية بعد أن حادت السلطة الحالية عليها. وعليه لابد أن يستكمل التونسيون مسيرتهم نحو التحرر وفق رأيه. منددا بما تقوم به السلطة التنفيذية من إجراءات تعسفية ضد المعارضين للتمشي الحالي بالبلاد.
و في هذا الشأن ذكر نجيب الشابي بالتضحيات الجسام التى قدمها التونسيون على درب التحرر و الانعتاق منذ الرعيل الأول للحركة الوطنية التى شارك فيها نشطاء سياسيون و طلبة وعمال وأجيال متعاقبة من التونسيين. وعليه لابد أن يستكمل التونسيون مسيرتهم نحو التحرر وفق رأيه. منددا بما تقوم به السلطة التنفيذية من إجراءات تعسفية ضد المعارضين للتمشي الحالي بالبلاد.
واعتبر الشابي أن اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتفل به اليوم هو موعد لكل أحرار العالم كي يطالبوا بكامل حريتهم و حقوقهم وأن جبهة الخلاص ليست استثناء ولذلك هي اليوم تطالب برفع مطالبها الخصوصية بشأن عودة الحرية والديمقراطية للبلاد.
هذه الرأي وجد معارضة من أنصار رئيس الجمهورية قيس سعيد حيث قال المحامي والقيادي في مسار 25 جويلية أحمد الركروكي في تصريح لتوميديا، إن في هذا اليوم الذي يصادف إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان. لا يوجد تضيقات تمس حريات المواطنين وحقوقهم وبلادنا تكفل كل الحقوق والحريات دون تمييز . وأنّ تونس مهد حقوق الإنسان ولا يستطيع أحد أن يزايد على السلطات التونسية وفق تعبيره.
وبخصوص ردّه على ملف الإحتفاظ بمعتقلي الرأي داخل السجون شدد الركروكي على أنّ للبلاد قوانينها العامة تنظم حرية التعبير “والتى بالمناسبة ليست مطلقة بل لها ضوابط و نواميس” وكل صحفي أو مدون أو ناشر لمحتوى موجود بالسجن فقد ثبت تورّطه بالوقائع في مخالفة القوانين و قاموا بالتخابر مع جهات أجنبية و تلقى منها أموالا وبالتالي أصبح القضاء هو الفيصل في تلك التجاوزات بحسب رأيه.
لم يعد الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، مجرد احتفال رمزي، بل أضحى دعوة متجددة للتفكير في مدى تحقق هذه الحقوق على أرض الواقع، وتذكير بأهمية العمل الجماعي لمواجهة التحديات التي لا تزال تحول دون تمتع الجميع بحقوقهم الأساسية. في ظل انتهاكات صارخة يقترفها الأقوياء على الضعفاء والأغنياء على الفقراء في عالم مليئ بالمتناقضات.