تعيش الساحة السياسية التونسية في شقها المعارض لنظام الخامس والعشرين من جويلية 2021، على وقع جملة من المشاورات والاجتماعات السياسية حول مبادرة المحامي ورئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، وعضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي العياشي الهمامي، والتي حملت عنوان،”الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، والعودة إلى المسار الديمقراطي”، انطلاقا من محطة الانتخابات الرئاسية المقبلة. مبادرة كان قد نشرها الهمامي في السابع والعشرين من فيفري 2024، ولاقت بعض التفاعلات السياسية نرصدها في هذا التقرير ومعها آخر المستجدات.
مصادر لتوميديا تؤكد موعد اقتراب الإعلان النهائي عن نتائج هذه المشاورات إما بالنحو الإجابي وفيه توصل للاتفاق على توحيد مرشح واحد للرئاسية يتمّ اختياره بعد صياغة “أرضية الحدّ الأدنى الديمقراطي الاجتماعي المشترك”، و بعد الارتكاز على النقاط التي أعدها الهمّامي في أطروحته السياسية ولعل أهمها “توفير شروط انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة وتنافسية للمترشّحين، وتنقية المناخ السياسي، خاصة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتركيز هيئة مستقلة للانتخابات”، إلى جانب توحيد طيف واسع من المعارضة السياسية ومكونات المجتمع المدني حول مرشّح واحد، أو في اتجاه سلبي بفشلها بعد عدم التمكن من الاتفاق.
مبادرة العياشي الهمامي يشاركه الآن في طرحها والتشاور بها مع الأحزاب كل من السياسي المعارض والعضو السابق لحزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي، و الناشط السياسي ووزير التشغيل الأسبق فوزي عبد الرحمان وعدة ناشطين سياسيين مستقلين وفق مصادر توميديا.
أحزاب حسمت موقفها من الانتخابات والمبادرة
ويسعى العياشي ورفاقه، في ظل رفض الحزب الدستوري الحر المعارض صراحة إستبدال ترشح رئيسته المودعة بسجن النساء في منوبة عبير موسي منذ أكتوبر 2023، إلى استقطاب موافقة أحزاب عديدة من بينها حركة النهضة والتيار الديمقراطي والقطب والتكتل والمسار وغيرها من مكونات المعارضة، والتي لم تعلن إلى حد كتابة هذه السطور موقفا واضحا وجليا من الانتخابات الرئاسية إما بالمشاركة أو المقاطعة.
كريم كريفة عضو الديوان السياسي للحزب الدستوري الحر كان قد أعلن في برنامج أنترفيو، بتاريخ 28 فيفري 2024، على منصة توميديا، أي يوما واحدا بعد إطلاق مبادرة الهمامي، عن عدم تخلي حزبه عن رئيسته عبير موسي التي كانت من أول المعلنين عن الترشح للرئاسية التي لم تظهر لها روزنامة إلى حد اليوم من الهيئة المكلفة بتنظيم الانتخابات، كما اعتبر في تصريحه أن مبادرة عياشي الهمامي في توحيد مرشح واحد للرئاسية، ستزيد من فرص الرئيس الحالي قيس سعيد في البقاء على رأس السلطة، في حين تعدد المرشحين سيكون ضربا من ضروب التنافس الذي قد يؤدي إلى تغيير ما، مشددا على أن المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية منذر زنايدي لا ينافس عبير موسي على أصوات “الدساترة” بسبب ابتعاده منذ ثورة 2011، وعدم انخراطه في العمل السياسي والنضالي منذ ذلك التاريخ وفق تعبيره.
أحزاب عديدة لم يظهر موقفها من الانتخابات الرئاسية بالمشاركة أو المقاطعة حتى بصرف النظر عن هوية المرشح الذي سيتم دعمه من قبلهم، بخلاف حزب العمال بقيادة حمة الهمامي الذي أعلن في برنامج أنترفيو على منصة توميديا مقاطعة حزبه لهذه الانتخابات لعدم توفر شروط النزاهة وتكافؤ الفرص في مسارها، كما شدد الهمامي في ذات البرنامج على أن المقاطعة “ستكون نشيطة بفضح انقلاب 25 جويلية وتعبئة الشارع من أجل إسقاطه.
العيون على “خزان النهضة” والأيادي مكبلة
من المنتظر أن يكون الأسبوع المقبل حاسما، في الإعلان عن نتائج المبادرة، خاصة مع اقتراب مهلة الإيقاف للمعتقلين السياسين على ذمة قضية “التآمر” على أمن الدولة، والتي تضم جوهر بن مبارك وخيام تركي وعبد الحميد الجلاصي ورضا بالحاج، وعصام الشابي وغازي الشواشي، ومع تزايد أصوات قواعد الحزب المغلقة مقراته منذ افريل الماضي، ألا وهو حركة النهضة، والذي يضع كثبر من المرشحين المحتملين عيونهم على خزان أصواتها حتى وإن تآكل بسبب المشاركة في الحكم طيلة 12 عاما وتحميله أوزار الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يبقى وفق مراقبين كتلة تصويتية هامة في حال قررت الحركة المشاركة، ودعم مرشح بعينه.
حركة النهضة اليوم يبدو موقفها متذبذبا من الاستحقاق الرئاسي المقبل، والمحدد منذ دستور 2014، وقبل وصول قيس سعيد إلى السلطة، حيث يظهر التآرجح جليا في تضارب بعص تصريحات قياداتها المعنيين أيضا يموقف موحد لجبهة الخلاص المعارضة، لأنها جزء منها.
ولعل ذلك بدى في كلمات أمينها العام عجمي وريمي خلال الوقفات الأسبوعية أمام المسرح البلدي تضامنا مع فلسطين، ومطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، حيث لم يغادر الوريمي مربع الخطاب الحقوقي الذي يدعو السلطة إلى التراجع عن نهجها الاستبدادي، كما أنه لم يعلن صراحة موقف النهضة من الانتخابات، و صرح في التاسع من مارس 2024، ” بأن الانتخابات ليست لعبة وأمن البلاد، ليس لعبة” لكنه لم يفسر كيف سيتم تجنب البلاد وأمنها من هذا التلاعب.
في هذا السياق يلام على النهضة أيضا اليوم أنها استبدلت العمل السياسي بالانشغال بالعمل الحقوقي للمطالبة بإطلاق سراح كل المساجين السياسيين في قضايا التآمر والتسفير والرأي وغيرها، وعلى رأسهم شيخها الثمانيني راشد الغنوشي، ويرجع البعض ذلك إلى حصار خانق أقره نظام قيس سعيد عليها نشاطا ومقرات وقيادات.
كما أن النهضة لم تنجح في التحرر النهائي من مربع اتهامها بـ”المشاركة في الاغتيالات السياسية” رغم الأحكام الأخيرة الصادرة في قضية الشهيد شكري بلعيد، والتي لا تحتوي على أسماء من أعضاءها، في حين تصرُ هيئة الدفاع عن بلعيد على مسؤوليتها وضلوعها في الأمر والتخطيط، وهو ما كان محور ندوة صحفية أخيرة عقدتها اليوم الثلاثاء 2 افريل 2024.
لتجد النهضة نفسها من جديد في موضع دفاع، خاصة مع وجود ابرز قيادتها في السجن وتراجع الأصوات المدافعين عنها بشراسة كما كان قبل 25 جويلية وبعده في ذات القضية تحديدا، واختفاء بعض الوجوه التي خاضت معارك إعلامية وقانونية أمام هيئة الدفاع عن بلعيد، على غرار المحامييّن، سامي الطريقي وزينب إبراهمي وآخرون.
وبالتالي يبقى السؤال مطروحا، من سيحسم موقف النهضة من الانتخابات الرئاسية، وهل سيكون القرار من داخل السجن، أم من خارجه، ومتى في ظل هذه الظروف، وبأي شروط أو أثمان سياسية قد تدفعها الحركة؟
وبالعودة إلى مبادرة الهمامي فإنها تضمنت عدة خطوات في مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة، تشمل عقد مرشح المعارضة اجتماعات في كل مدن البلاد، ومع جلّ القطاعات وفي وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي، ويتوج هذا المسار وفق قوله باتخاذ القرار النهائي بالمشاركة في الانتخابات أو المقاطعة.
رفض الجلوس مع النهضة العائق الأكبر أمام نجاح المبادرة
حزب التيار الديمقراطي، بقيادة الأمين العام الحالي نبيل حجي، والذي هو جزء من الرباعي الذي يضم أحزاب العمال، والتكتل والقطب، كان من بين الأحزاب التي ظلت متمسكة بموقفها ورفضها لأي مشاورات تكون النهضة جزء منها، وحتى المشاركة في الوقفات الاحتجاجية المعارضة لنظام الرئيس قيس سعيد، وحتى باقي الأحزاب المذكورة هي على نفس الخطى في رفضها لأي تحالف استراتجي أو تكتيكي مع حركة النهضة، وهو ما يطرح تساؤلا حول مدى نجاح الهمامي ورفاقه في توحيد هذه الرؤى المتنافرة تجاه مرشح واحد، أو حتى موقف واحد بالمشاركة أو المقاطعة.
مبادرة الهمامي تسعى إلى إقناع أطراف المعارضة وغيرها من المجتمع المدني التي تقبل العمل على أرضية مشتركة للإعلان عن “برنامج سياسي وخطة اقتصادية لإنقاذ البلاد، وتعلن استعدادها للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، على أن يقع العمل على تركيز “هيئة عليا مستقلّة للانتخابات” وعدم تقييد حرية الترشّح بشروط مجحفة.
كما تشمل الخطوات التي طرحها العياشي الهمامي،” تكوين فرق عمل جديّة وذات مصداقية لصياغة خطّة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد، وخطة متوسطة المدى وفرق أخرى تعمل على الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها، بغاية صياغة البرنامج أو الخطط الاقتصادية في أسابيع قليلة”.
وعلى مستوى البرنامج السياسي لمرشّح المعارضة، تقترح المبادرة أن تكون من بين التزاماته، تكوين “حكومة إنقاذ وطني انتقالية” لمدّة سنتين أو ثلاث لإنقاذ الاقتصاد وتنقية المناخ الاجتماعي، كما يتولى بعد التشاور مع كلّ الأطراف تكوين “لجنة وطنية لإعداد الدستور” تتولّى صياغة دستور جديد أو تعديل دستور 2014 لتجاوز هناته، ثمّ تنظيم استفتاء شعبي للمصادقة عليه وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية طبق الدستور الجديد.
الهمامي كان قد شدد على ضرورة اعتماد “قراءة نقدية صارمة للمسار السياسي منذ الثورة إلى الآن للاعتبار من الأخطاء والانحرافات التي أدّت إلى سقوط البلاد في الأزمة الحالية”.
وأكد أهمية “الاتفاق على المبدإ وإنقاذ البلاد من التسلط وخطر انهيار الدولة”، منبها إلى جملة من المؤشرات المتعلقة بـ”تعمّق الهوة بين الخطاب السياسي لكامل النخبة السياسية سلطة ومعارضة من جهة، والواقع المعيشي للجماهير الواسعة واهتماماتها من جهة أخرى”.
من الضروري التذكير بأن الهيئة المكلفة بالانتخابات لم تنشر روزنامة تنظيمها إلى حد الآن، رغم الانتهاء من إعلان عن نتائج”مجلس الجهات والأقاليم”، كما تجدر الإشارة إلى أن الحزب الجمهوري الذي غادر الرباعي منذ سنة بسببه عدم رفضه لأي مشاورات تكون فيها النهضة موجودة قد أعلن، خلال الأسبوع الماضي ترشيح أمينه العام عصام الشابي المعتقل السياسي على ذمة قضية “التآمر”، لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، وهنا يطرح سؤال:
هل سيكون الشابي هو الشخصية التي ستلتف حولها المعارضة، هذا إن تم إطلاق سراحه، بعد انتهاء مدة الإيقاف، أم هناك اسماء اخرى من “العائلة الديمقراطية ” قد تشكل معطى مفاجىء وجديد في المشهد الانتخابي؟